مرة أخرى، عادت الأرقام والإحصائيات لتُظهِرَ تزايداً مضطرداً في معدل انتشار الأمراض الجنسية بين الشباب البريطاني. فحسب البيانات الصادرة قبل بضعة أيام عن وكالة حماية الصحة ببريطانيا (Health protection Agency)، فقد زادت حالات العدوى بالأمراض الجنسية بمقدار 2% ما بين عامي 2005 و2006، لتصل إلى أكثر من 376 ألف حالة، خصوصاً بين الشباب والمراهقين من صغار السن. وحظي مرض فيروس "الهربس" بأكبر زيادة وقدرها 9%، أو أكثر من 21 ألف حالة، تبعه مرض "الكلاميديا" بزيادة قدرها 4%، أو أكثر من 113 ألف حالة، ثم مرض الثآليل الجنسية بزيادة قدرها 3%، أو أكثر من 83 ألف حالة. ورغم أن انتشار الأمراض الجنسية يشهد تزايداً مضطرداً منذ عقد التسعينيات، إلا أن المفاجأة في البيانات الأخيرة، هي أن معظم الزيادة الحاصلة حالياً تحدث في الفئة العمرية بين سن السادسة عشرة والرابعة والعشرين. فعلى سبيل المثال، رغم أن متوسط الزيادة في عدد حالات الإصابة بفيروس "الهربس" كانت 4%، إلا أنها بلغت 9% بين الفتيات ما بين سن السادسة عشرة والتاسعة عشرة. ويخطىء من يعتقد أن مشكلة التزايد المضطرد في انتشار الأمراض الجنسية هي مشكلة تخص المجتمعات الغربية، أو الأوروبية بالتحديد. فتقديرات منظمة الصحة العالمية منذ عام 1996، تشير إلى حدوث أكثر من مليون عدوى بالأمراض الجنسية بين أفراد الجنس البشري من دون استثناء، وفي اليوم الواحد. أي أنه بمرور كل أربع وعشرين ساعة، يصاب مليون شخص بمرض جنسي جديد. ورغم أنه يمكن الحصول على نسب ومعدلات انتشار الأمراض الجنسية في معظم دول العالم، إلا أنه في الدول العربية تظل هذه الأرقام حبيسة أدراج الوزراء والمسؤولين، بالنظر لما يسببه نشرها من عار على الأمة والوطن. ولا يزال الكثير من الحكومات والجهات الصحية في الدول العربية، يحاول إنكار أو التعامل بسرية أو التغطية على عدد حالات الإيدز بين مواطنيها. لكن هنا تكمن المشكلة، فالحديث عن الأمراض الجنسية، غالباً ما يجر الكثيرين –وأنا منهم- للحديث عن الإيدز فقط، كأنه المرض الجنسي الأوحد. فرغم أن الإيدز يعتبر حقاً أخطر الأمراض الجنسية على الإطلاق، إلا أن ذلك لا يعني أن نتجاهل القائمة الطويلة من هذه الطائفة من الأمراض، أو أن نتجاهل آثارها طويلة المدى على صحة أفراد المجتمع. فبوجه عام، يتم تقسيم الأمراض الجنسية حسب نوع الميكروب أو الكائن المسبب لها إلى عدة مجموعات، هي: 1) المجموعة البكتيرية: مثل مرض الزهري، والسيلان، والكلاميديا، والتهابات مجرى البول. 2) المجموعة الفطرية: مثل مرض (Candidiasis)، وهو مرض يمكن أن ينتقل بطرق عديدة، منها الاتصال الجنسي. 3) والمجموعة الطفيلية: مثل الأميبا والجارديا والترايكومونس. 4) المجموعة الحشرية: الناتجة عن انتقال الحشرات من شخص إلى آخر خلال الاتصال الجنسي، وتتضمن كلاً من قمل العانة وقمل الجسد ومرض الجرب. 5) مجموعة الأمراض الجنسية الفيروسية، والتي يمكن تقسيمها في حد ذاتها إلى عائلات مختلفة. مثل عائلة الإيدز، وعائلة الهربس، وعائلة فيروس الثآليل الجنسية، وعائلة "السيتو- ميجالو"، وعائلة التهابات الكبد الفيروسية. وإذا ما نظرنا عن قرب، فسندرك بشكل جلي، فداحة الثمن الباهظ الذي يدفعه المجتمع ثمناً للأمراض الجنسية الأخرى، بخلاف الإيدز. فالمرض الناتج عن "فيروس الثآليل البشرية"، والمعروف اختصاراً بـ(HPV)، هو المتهم الرئيسي في 90% من حالات الإصابة بسرطان عنق الرحم. هذا السرطان، يعتبر من أكثر الأمراض السرطانية انتشاراً على الإطلاق بين النساء الغربيات. حيث تقدر الجمعية الأميركية للسرطان، إصابة أكثر من عشرة آلاف امرأة سنوياً في الولايات المتحدة بسرطان عنق الرحم، يلقى قرابة أربعة آلاف منهن حتفهن بسبب المرض. أما أفراد عائلة فيروس الهربس، فيتميزون بالقدرة على البقاء داخل الجسد إلى أجل غير مسمى. بمعنى أنه إذا ما دخل هذا الفيروس إلى الجسم، فسيظل داخل الجسم إلى آخر أيام العمر، ليطل برأسه القبيح بين الحين والآخر لسنوات وعقود. وتكمن خطورة الهربس، في أنه قد ينتقل إلى العينين ليصيب القرنية أيضاً بالتقرح، من خلال ما يعرف بالعدوى الذاتية. المصيبة الأخرى التي قد تنتج عن الهربس، هي انتقاله إلى المخ وتسببه في التهاب الدماغ. هذه الحالة بالغة الخطورة، إلى درجة أن 70% من المصابين بها يلقون حتفهم، إذا لم يتلقوا العلاج. وحتى في حالة تلقي أفضل علاج ممكن، يقتل التهاب الدماغ الناتج عن فيروس الهربس 20% من مرضاه. هذه الآثار السلبية الخطيرة للأمراض الجنسية، تتطلب من الجهات الصحية مواجهة هذه المشكلة بقدرٍ أكبر من الواقعية، مع ضرورة الابتعاد عن سياسة دفن الرأس في الرمل، وفلسفة أن تجاهل المشكلة سيساعد على اختفائها. صحيح أن مجتمعاتنا الشرقية، وخصوصاً الإسلامية منها، تتعامل بقدر كبير من الحياء مع قضية الجنس من جميع جوانبها، لكن الحكمة الأساسية هي أنه لا حياء في الدين ولا في العلم. وهو ما يتطلب تنشيط برامج التثقيف الصحي بين شبابنا، وزيادة الدعم المالي لبرامج التوعية، مع توفير المصادر اللازمة للكشف المبكر والعلاج الفعال. فبغض النظر عن النسبة الحقيقة، لا يمكننا إنكار أن الأمراض الجنسية موجودة بالفعل بين مجتمعاتنا، ولا يمكننا أيضاً أن نتجاهلها إلى أن تتضخم لتصبح بحجم المصيبة التي تعيشها المجتمعات الغربية حالياً.