التقارير الأمنية الأميركية تشير إلى تزايد نفوذ وفعالية وقوة تنظيم "القاعدة"، كما تتوقع هذه التقارير أن تقوم "القاعدة" بشن هجوم داخل الولايات المتحدة. العمليات الإرهابية في الدول الغربية لن يتحقق لها النجاح، لأن المجتمعات هناك محصنة جيداً ضد العمليات الإرهابية، ويعود ذلك إلى حقيقة أن تلك المجتمعات، شعوباً وحكومات، تدافع عن قيمها في الحرية والديمقراطية ونشر أفكار الاعتدال والتنوير والتسامح. التساؤل الذي نود طرحه: هل نحن في الخليج محصنون جيداً ضد الإرهاب؟ وما هي الخطوات التي اتخذتها دول الخليج لحماية نفسها ومجتمعاتها من العمليات الإرهابية التي تقوم بها "القاعدة" أو أنصارها في المنطقة، خصوصاً وأن المنطقة مقبلة على متغيرات كثيرة صعبة، أهمها احتمال انسحاب القوات الأميركية من العراق في نهاية العام الحالي أو المقبل، ومع الانسحاب هناك احتمال أن تحدث هجرة للإرهابيين والانتحاريين من العراق إلى دول المنطقة..؟ هناك أخطار جديدة تواجه دول المنطقة من ازدياد النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة ككل... ماذا سيحدث بعد الانسحاب الأميركي من العراق وازدياد هيمنة الميليشيات الشيعية الموالية لإيران على السلطة في العراق. دول الخليج لم تستوعب حتى الآن مخاطر تداعيات الاوضاع في باكستان، خصوصاً بعد تحرير "المسجد الأحمر" وازدياد العمليات الإرهابية في المناطق القبيلة. لا توجد خيارات أمام دول الخليج المعتدلة إلا تأييد ودعم حكومة باكستان برئاسة الرئيس "برويز مشرف" في محاولته لوضع حد لانتشار التطرف والإرهاب في هذه الدولة الإسلامية المهمة. التساؤل مرة أخرى: هل هناك تصور خليجي موحد لمحاربة ومكافحة الإرهاب بكل أبعاده؟ وهل تملك دول الخليج خططاً استراتيجية واضحة تحمي المنطقة من المتغيرات السريعة من حولنا؟ لقد فشلت دول المنطقة في معالجة العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بها... لأن معالجاتها للمشاكل مؤقتة وشكلية ولا تعالج الأمور من جذورها... فمعظم الحلول تطرح بشكل غير علمي وغير دقيق. كما أن إبعاد المواطنين عن المشاركة في حل مشاكلهم، جعل منهم مواطنين يتكلون على الدولة في كل شيء، وأصبح دورهم سلبياً تجاه حل مشاكلهم. لذلك لا غرابة في ازدياد المد الديني وفي صعود التطرف والمغالاة في الدين التي أدت إلى الإرهاب في بعض أقطار الخليج العربي، لأن الدولة لم تقم بدورها في تنشئة الشباب ورعايته. هل يعقل أن تصبح بعض دول الخليج المعتدلة مصدراً للإرهابيين الذين يتطوعون للعمل الجهادي في العراق ولبنان وغيرهما من دول العالم..؟ كيف يمكن لنا أن ننهض ونبعد مجتمعاتنا عن التعصب والتطرف والإرهاب؟ ومن الذي سيقوم بهذه المهمة الصعبة؟ هل هو المجتمع ومؤسساته أم الدولة؟ مجتمعنا تقليدي يعتمد على الدولة في كل شيء لذلك لا يمكن للمجتمع أو مؤسساته التقليدية لعب الدور المطلوب بعيداً عن الدولة خصوصاً وأن هذا المجتمع موغل في القبيلة والعائلية والطائفية. السؤال يبقى: هل الدولة الخليجية أفضل حالاً من مجتمعاتها؟ أو بمعنى آخر: هل الدولة قادرة على خلق مجتمع جديد متحضر مدني لا يؤمن بالولاءات الجانبية، من قبلية وطائفية وعائلية، بل يؤمن بالولاء للدولة والدستور والقانون؟ الإشكالية أن معظم دول الخليج تسعى لتعزيز الولاء القبلي والطائفي لكسب الولاء للأنظمة الحاكمة على حساب المجتمع الحديث، هذه الدول تركز على احترام العادات والتقاليد الماضية على حساب الحاضر والمستقبل. المعركة ضد الإرهاب ليست معركة أمنية بحتة، بل هي معركة فكرية، أي معركة لإبعاد الأصولية الإسلامية عن فرض أفكارها على المجتمع باسم الدين والعادات والتقاليد... جماعات الإسلام السياسي في الخليج استعملت ورقة التكفير كأداة من أدوات الصراع الفكري السياسي... وقد وقفت في الماضي بعض الدول الخليجية مع هذا التوجه، وحولت العديد من المفكرين الليبراليين للمحاكم، دون أن تعي خطورة ذلك التوجه على مستقبل المنطقة!