تنعم الإمارات، مجتمعاً ودولةً، باستقرار ورخاء تحسدها عليهما أمم وشعوب الأرض كافة، التي باتت تتمنى أن تصل ولو إلى جزء بسيط، مما وصلت إليه هذه الدولة الفتية. وقد استطاعت الإمارات حماية نفسها وشعبها ضد المخاطر الأمنية الداخلية والخارجية التي صادفتها. إن ذلك يعود إلى عامل أساسي مكن النخبة السياسية من حماية الوطن ضد العديد مما يصادفه من مخاطر. إن ذلك العامل هو الثروة التي تراكمت على مر السنين سواء كان ذلك من استغلال الاحتياطيات النفطية الضخمة التي تدر دخلاً وفّر في أيدي النخبة السياسية سيولة نقدية كافية، أو من الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية التي تشهدها البلاد على الصعيدين الداخلي والخارجي. لقد جعلت هذه الموارد الاقتصادية الجزيلة لدى النخبة موارد مهمة لاستقطاب المواطنين ودمجهم في عملية التنمية، لكي يقفوا صفاً واحداً مع النخبة السياسية ضد كل محاولة للمساس بالبلاد. وعملية الاستقطاب تلك، تمت بطريقة ناجحة عن طريق تلبية احتياجات المواطنين الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة. وحيث إن حجم الكثافة السكانية المواطنة قليل، فقد كان من الممكن رفع مستوى معيشة المواطنين كنتيجة مباشرة لسياسات دولة الرفاه. وعلى ضوء هذه الحقيقة يصبح من غير المدهش أن نرى أن النخبة السياسية باتت قادرة على توفير الإسكان والتعليم والصحة والوظائف بالإضافة إلى الفرص الأخرى. إذاً يمكن القول إن الثروة الموجودة في يد النخبة السياسية مكنتها من احتواء معظم أشكال عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي الذي ظهر حتى الآن، ولكن يجب أن نستدرك أيضاً بأن التفسير السابق مقنع، ولكنه في نفس الوقت ليس كافياً للأخذ به كتفسير وحيد للاستقرار القائم. وفي واقع الأمر نرى أن الطفرة الاقتصادية العملاقة، والثروة الطائلة المترتبة عليها لا تشكل بحد ذاتها ضمانة قوية لعدم بروز القلاقل مستقبلاً. وإلى هذه اللحظة يمكن وصف النخبة السياسية بأنها قيادة ذكية فيما يتعلق بتعاملها مع الواقع السياسي، وذلك من خلال استقراء الممارسات التي قامت بها خلال الفترة الماضية منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، فقد كانت حساسة في الاستجابة للعديد من مطالب واحتياجات المواطنين الاقتصادية والاجتماعية، وأقرت بأهمية أن تبقى على اتصال قوي ومباشر مع كافة الفئات الاجتماعية، فنلاحظ أن القيادات السياسية التي تولت زمام الأمور، أفصحت عن نفسها بأنها من أذكى القيادات التي تواجدت على صعيد العالم النامي. وأكثرها تجربة في مجالات الحكم والسياسة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. لقد قادت البلاد حتى الآن بمهارة فائقة وجنبتها العديد من الأعاصير والمطبات التي كادت تعصف بها. وبالإضافة إلى ذلك فإن شعباً وفياً وأصيلاً وذا سلوكيات حضارية ضاربة الجذور، ساعد النخبة السياسية كثيراً في تحقيق ذلك، لأنها بدورها كنخبة سعت إلى الاتصال الدائم والمباشر بالجماهير، وإلى تحسس مشاكلها والاستباق إلى حلها ما أمكن ذلك، الأمر الذي مكّنها في نهاية المطاف من حفظ أمن البلاد واستتباب النظام فيها في عصر يتسم بالتغيرات العنيفة والقلاقل العاصفة. وبعبارة أخرى، فقد تمكنت النخبة السياسية من تقديم تحديث اقتصادي سريع للمواطنين إلى جانب الإبقاء على الوسائل الاجتماعية والسياسية التي يعتمد عليها للاستمرارية. ولكن بغض النظر عن هذا السجل الحافل من الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فإن النخبة السياسية تواجه بعض السلبيات والمشاكل المتعلقة بالتنمية الشاملة التي لم تتمكن حتى الآن من تجاوزها، ولا زالت تعترض طريقها. إن الثورة التحديثية والطفرة الاقتصادية القائمة تثير بحد ذاتها توقعات وتطلعات شعبية كثيرة، وكل تطلع أو توقع يحتاج بمفرده إلى مواجهة وتلبية وفي سياق من الاستمرارية. وضمن البيئة الإقليمية المضطربة والحبلى بالمشاكل، فإن النخبة السياسية تستطيع أن تفرد حيزاً خاصاً من الأهمية لمقارعة تلك المشاكل التي لم تتمكن من حلها حتى الآن، وبالتحديد فإن النخبة السياسية في وطننا تواجه عدداً من المشاكل الملحة التي تتلخص في الآتي: أولاً، صغر حجم الكثافة السكانية المواطنة. ثانياً، التنامي السريع لتشكل طبقي حاد ربما يكون ضاراً على المدى البعيد. ثالثاً، تحدي المد الديني الصامت حتى الآن. رابعاً، تفشي ظاهرة تدني الإنتاجية في أوساط المواطنين. خامساً، ارتباط الاقتصاد الوطني بالغرب مع ما يجلبه ذلك من تضخم وهزات ومشاكل اقتصادية. سادساً، غياب المعايير الواضحة لكيفية إدارة الموارد الاقتصادية والبشرية المتواجدة. سابعاً، نصيب الميزانية الاتحادية من مجمل الدخل القومي على الصعيد المحلي والقطاع الخاص. ثامناً، المشاكل الناجمة عن تدفق العمالة الأجنبية الوافدة غير المسيطر عليه بشكل واضح يحفظ للوطن أمنه واستقراره. وتاسعاً وأخيراً، وجود بون شاسع بين التحديث الاقتصادي والاجتماعي وبين التنمية السياسية. المستشار الثقافي بسفارة دولة الإمارات العربية المتحدة- واشنطن