شهدت الأسابيع الماضية توترات في العلاقة العربية-الإيرانية. تم التعدي بالضرب على دبلوماسي كويتي في طهران، وترددت مقالات لكبار كتاب مقربين من المؤسسة الحاكمة في طهران تنادي بتبعية البحرين لإيران، وتصريحات "عنترية" إيرانية باستمرار احتلال الجزر الإماراتية الثلاث. الكتابات والتصريحات الإيرانية المتشددة تجاه عرب الخليج جاءت بعيد اجتماع خليجي بالرياض لوزراء الخارجية والدفاع ومسؤولي الأمن الخليجيين، خرج الاجتماع بمناشدة متكررة لإيران بالتعاون مع المجتمع الدولي بشأن ملفها النووي، وبحل مسألة الجزر سلمياً. الاجتماع أغضب الإيرانيين، ورأوا فيه انحيازاً للسياسة الأميركية، فأطلقوا حملة غير مبررة على عرب الخليج. والموضوع الإيراني يشكل هاجساً لأهل الخليج من نواح عديدة أهمها: ثقافة تصدير الثورة الإيرانية، وندوب الحرب العراقية-الإيرانية ودور إيران في عراق اليوم، والتوتر الإيراني مع المجتمع الدولي حول الملف النووي الذي خلق احتقاناً في المنطقة، وقد تنذر الهواجس بما هو أخطر من ذلك. الخليجيون تحكم فهمهم لإيران ثلاثة اتجاهات أساسية: 1- اتجاه يرى في إيران دولة مجوسية توسعية حاقدة يدفعها حقد فارسي يتأسى على إيوان كسرى ويعيش في التاريخ أكثر مما يعيش في الواقع. والحق أن هذا التوجه يعاضده تفكير عنصري مشابه في إيران يرى أن "أراب جراب" (العرب جرب)، وأن العرب لم يقدموا من خير للبشرية سوى الرسول محمد وآل بيته، ويتساوى في هذا التفكير الفوقي تجاه العرب عنصريون فرس علمانيون، ومتدينون متخلفون يؤمنون بأن الإمامة ليست في قريش فحسب، بل في آل بيت الرسول تحديداً. ينتشر هذا الاتجاه بين الأوساط الشعبية والكتابات الصحفية، والديماغوجية الفوضوية الشائعة بين الطرفين. 2- وهناك اتجاه متوجس من إيران، لكنه اتجاه صبور وبراجماتي في آن واحد. يتعامل بتغاض مع إيران، ويراهن على نهاية لنظام الملالي في إيران شبيهة بنهاية العنجهية الصدامية التي اعتدت على إيران، واحتلت الكويت، فكان مآلها الثبور، والدمار للعراق وشعبه. ويرى هذا التوجه أن النظام الإيراني يحمل عوامل ضعفه بداخله، فإيران بلد موزاييك لكل قطعة فيه تطلعاتها وطموحاتها الخطرة على بقاء النظام. ويفسر هذا التوجه الخطاب الإيراني المتشدد على أنه مؤشر احتقان النظام من الداخل. يساند هذا التوجه داخل إيران من يدفعون بالنظام دفعاً نحو العزلة والصدام مع الجيران والمجتمع الدولي ذلك أنهم يرون في صدامه مع المجتمع الدولي الطريقة الوحيدة للتخلص منه، فتجدهم "ملكيون أكثر من الملك" في المزايدة على الخطاب المتشدد رغم دلائل تشير إلى عدم تدينهم أصلاً. يزداد انتشار هذا التوجه في المؤسسات الفكرية والمؤسسات القريبة من اتخاذ القرار. 3- وهناك اتجاه ثالث هو الأضعف بين هذه الاتجاهات الثلاثة، وهو اتجاه عقلاني يعاني الضعف والضمور في طهران، ويمر بمرحلة مزمنة من الوهن والتردد على الضفة الأخرى من الخليج. هذا الاتجاه ينادي بضرورة العمل بكل الوسائل لتعميق العلاقات الإنسانية والثقافية والاقتصادية بين الطرفين، ويرى في تعميق العلاقات تجاوزا لكافة أنواع الخلافات، ويبرهن بالدلائل على أن ترابط مصالح الناس من شأنه مسح عوالق التاريخ المتخلفة. يتواجد هذا الاتجاه- على استحياء- في أوساط المثقفين ومن يرون أبعد من أنوفهم مما يخبئه لهم قدر السياسات الدولية إن احتدم العداء مع إيران. الاتجاه الثالث ضعيف بحكم التخلف على ضفتي الخليج، فنحن وإيران في التخلف واحد، وبحكم ارتفاع أصوات الاتجاه الأول الذي يدفع بالمنطقة نحو الهاوية. بيننا من ينفخ في الاتجاه الأول من متخلفينا الذين يرون في إيران مخلصاً لفلسطين ولبنان والعالم الإسلامي كله، وهؤلاء بغبائهم لن يدركوا أنهم "لا من المعزا، ولا من الضان"، وبأن اللعبة أكبر منهم ومن ملايين البائسين من الشعب الإيراني وشعوب المنطقة برمتها.