إثر لقائه الرئيس بوش يوم الثلاثاء الماضي، قال "بان كي مون"، الأمين العام للأمم المتحدة إن الوضع في العراق، غدا مشكلة للعالم بأسره، وأعرب في الوقت ذاته عن استعداد منظمته للمساهمة مع كل من الحكومة والشعب العراقيين، ومد يد العون لهما في التغلب على محنتهما الراهنة. ومن ناحيتها تدرك الولايات المتحدة الأميركية الأهمية الدولية لاستقرار العراق، وتدعم الوجهة الداعية لحفز دور المنظمة الدولية في هذا الأمر. وكما هو معلوم، فإن للأمم المتحدة مزايا استثنائية بعينها في تولي مهام الوساطة في فض النزاعات الداخلية والإقليمية، على رغم ما تتسم به هذه النزاعات من مصاعب وتعقيد. وفضلاً عن ذلك، فإن في مقدور المنظمة الدولية، مد يد العون في تدويل الجهد الجماعي الرامي لبسط الاستقرار والأمن في العراق. وفي خلال الأسابيع القليلة المقبلة، سوف تقدم الأمم المتحدة على تعيين مبعوث جديد لها في العراق، إلى جانب تجديدها للتفويض الممنوح لمهمة مجلس الأمن الدولي هناك. وبصفتي مبعوثاً خاصاً وسفيراً سابقاً لدى أفغانستان، خلال الفترة الممتدة من 2003-2005، فقد رأيت بنفسي مدى أهمية وحيوية الدور الذي تستطيع المنظمة الدولية أن تفعله، متى ما أحسنت اختيارها لمبعوثيها ومتى ما أعطي لهؤلاء التفويض الصحيح والملائم، إلى جانب حصولها على دعم القوى الرئيسية في عالم اليوم. وعليه وفيما يتصل بالعراق، فإن الولايات المتحدة الأميركية تميل إلى تقديم دعم أكبر لدور الأمم المتحدة هناك، انطلاقاً من قناعتها بأن أنجع السبل للتصدي للقضايا الرئيسية التي تؤجج فتيل الأزمة الحالية، هو تعيين المبعوث الدولي الملائم، ومنحه التفويض الصحيح الملائم لأداء دوره المطلوب. وفي مقدمة الاعتبارات الواجب الأخذ بها بعين الاعتبار، أن للأمم المتحدة قدرة لا تضاهى على إقناع شتى الفصائل والتيارات العراقية الرئيسية المتصارعة، على التوصل إلى اتفاق وطني بِشأن توزيع السلطتين السياسية والاقتصادية. وحين يأتي الأمر للحديث عن دور الوسيط الذي يمكن أن تلعبه المنظمة الدولية، فإن لها من الشرعية المتأصلة والمرونة الكافية، ما يمكنها من التحدث إلى جميع الأطراف، بما فيها تلك العناصر التي لا تزال بعيدة عن حلبة العملية السياسية هناك. هذا ويتعين منح المفوض الأممي الجديد للعراق، ما يلزمه من صلاحية تؤهله لمساعدة العراقيين على إنجاز العمل القيادي المطلوب في عدة قضايا وجبهات رئيسية: سن التشريع القانوني الذي يحكم توزيع واقتسام موارد الهيدروكربون في البلاد، إصلاح قانون تفكيك حزب "البعث"، مراجعة الدستور، وضع الخطة اللازمة لتفكيك وتسريح المليشيات الطائفية، إضافة إلى إبرام اتفاقية يتعهد المتمردون بموجبها بوقف نشاطهم المناوئ المسلح. كما يلزم تمكين المبعوث الدولي من تقديم يد العون في حل النزاع الدائر حول مستقبل محافظة كركوك، وغيره من النزاعات الحدودية الداخلية، فضلاً عن الاستعداد لإجراء الانتخابات المحلية في المحافظات ومراقبتها. وفوق ذلك، فإنه يتعين أن يسمح التفويض الممنوح للمبعوث الدولي بالبحث عن إمكانية توفير ضامن ثالث من خارج دائرة النزاع الداخلي، ربما تنشأ الحاجة له في معرض السعي لحث ودفع الفصائل العراقية المتناحرة، على خطى المصالحة الوطنية. وفيما يتصل بهذا الدور على وجه التحديد، فإن للأمم المتحدة ميزة مضافة على غيرها، بحكم كونها طرفاً قيادياً مشاركاً للحكومة العراقية في "الاتفاق الدولي حول العراق" وهو الاتفاق الذي يلزم القادة العراقيين باتخاذ خطوات سياسية والقيام بإصلاحات بعينها في صنع السياسات والقرارات، في مقابل الدعم الاقتصادي وغيره، الذي يقدمه المجتمع الدولي للعراق. وبفضل الوزن والتأثير اللذين تحظى بهما الأمم المتحدة في تقديم أية مساعدات محتملة للعراق، فسوف تعلو يد مبعوثها ونفوذه في حث العراقيين والدفع بهم باتجاه المصالحة الوطنية. كان ذلك هو الشق الأول من تبيان الدور الذي يمكن أن تضطلع به الأمم المتحدة ومبعوثها الدولي في العراق، أما الشق الثاني، فيتلخص في الملاءمة الخاصة التي تؤهل المنظمة لوضع إطار إقليمي لبسط الأمن والاستقرار في العراق. والشاهد هنا، أن دولاً إقليمية عديدة تعمل على تقويض جهود الاستقرار هذه. ومن جانبها تدعم واشنطن تفويضاً جديداً من شأنه تدشين عملية دبلوماسية متعددة بقيادة الأمم المتحدة، بهدف احتواء التنافس الإقليمي الذي يصب المزيد من الزيت على نيران النزاع العراقي الداخلي. وينبغي أن تؤسس هذه العملية الدبلوماسية، على قمة شرم الشيخ الموسعة، التي ضمت الدول المجاورة للعراق، في شهر مايو المنصرم، فضلاً عن حضور ممثلين لمجلس الأمن الدولي، وللدول الثماني الصناعية. وقد تمكنت القمة المذكورة من بدء حوار حول العراق، وتكوين عدد من فرق العمل في قضايا بعينها شملت الأمن والطاقة واللاجئين. ولكي نمضي بهذه القمة خطوة واحدة للأمام، فإن من الواجب منحها المؤسسية اللازمة على المستوى الوزاري، تحت قيادة الأمين العام للأمم المتحدة. كما يتعين على المبعوث الدولي إنشاء مجموعة اتصالات على المستوى دون الوزاري، على أن تعقد هذه المجموعة اجتماعات دورية لاستعراض مدى التقدم الذي أحرز في تطبيق الاتفاقيات المحددة التي جرى إبرامها. ولكي تضطلع الأمم المتحدة بهذا الدور الحيوي، فإنها بحاجة إلى تلقي دعم إضافي في المجالات السياسية والمالية واللوجستية والأمنية، من قبل الدول ذات المصالح الإقليمية في المنطقة. وفوق ذلك، فإنه يتعين بقاء قوات التحالف الموجودة حالياً في العراق، لضمان استمرار وتعزيز النتائج الإيجابية النسبية التي حققتها استراتيجيتنا الجديدة الخاصة بزيادة عدد القوات مؤخراً، فضلاً عن تعاون القوات نفسها مع الأمم المتحدة، بما يؤكد دعم الاستراتيجية العسكرية لقوات التحالف الدولي ووقوفها خلف جهود الوساطة الداخلية والإقليمية التي تبذلها المنظمة الدولية. ويقيناً فإن الولايات المتحدة تدرك مسؤولياتها حيال هذه العملية، وهي لعلى أتم استعداد لأداء دورها فيها. وفي حين لا يزال الخلاف بين جميع العقلاء مشروعاً، حول ما إذا كان تدخل قوات التحالف ضد صدام حسين مشروعاً ومثمراً من الأساس، إلا أن اللحظة الآنية التي نواجهها هناك، ترغمنا جميعاً على الاعتراف بأن ما سيؤول إليه مستقبل العراق، سوف تكون له تداعياته وتأثيراته البالغة على منطقة الشرق الأوسط، بل وعلى سلام وأمن العالم بأسره. وإدراكاً منها لهذه الحقيقة، تؤيد واشنطن نداء الأمين العام للأمم المتحدة، لتبني منظمته دوراً أكبر لها في العراق، بغية المساعدة في بسط الأمن والسلم فيه، وبما يجعل منه شريكاً مسؤولاً في الأسرة الدولية، ويحيله إلى قوة للاعتدال والعقلانية في المنطقة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سفير أميركي سابق لدى العراق وسفير حالي لواشنطن بالأمم المتحدة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"