ما هي إدارة المعرفة؟ وما هي عملياتها وأنواع نظمها ومجالات تطبيقها؟ وكيف نفهم رأس المال الفكري؟ وما هي الأسس والمداخل الممكنة لقياس رأس المال الفكري العربي؟ أسئلة يحاول الإجابة عليها سعد غالب ياسين، وهو أكاديمي مختص في نظم المعلومات الإدارية وله 15 مؤلفاً في هذا المجال، في كتابه الجديد "نظم إدارة المعرفة ورأس المال الفكري العربي"، والذي نعرض بإيجاز فيما يلي أهم المضامين والقضايا التي أثارها. يقدم الكتاب تحليلاً منهجياً معمقاً لحقل إدارة المعرفة ونظم إدارة المعرفة ورأس المال الفكري، انطلاقاً من رؤية استراتيجية تجمع بين نظرية إدارة المعرفة وتكنولوجيا المعلومات، وتؤكد على الحاجة إلى معرفة عربية بنظم إدارة المعرفة وبأساليب القياس القويم لرأس المال الفكري العربي. ويتناول في فصله الأول أساسيات إدارة المعرفة، وفي فصله الثاني دورة حياة المعرفة وعملية إدارة المعرفة، أما في فصله الثالث فيهتم بتحليل نظم إدارة المعرفة، ثم ينتهي بمبحثين متداخلين ومتكاملين حول تقويم رأس المال الفكري، ورأس المال الفكري العربي، كمحاولة لوضع مبادئ إدارة المعرفة ومفاهيمها وتقنياتها، موضع التطبيق بما يخدم أهداف التنمية والنهوض الحضاري للأمة العربية. وباعتبار المعرفة أهم جزء في حقل إدارة المعرفة، يسعى المؤلف إلى استكناه ذلك المفهوم، بالتطرق إلى أربعة مفاهيم أخرى هي: "البيانات" و"المعلومات" و"التعلم" و"الذكاء"، ليصل إلى أن المعرفة هي "مزيج من المفاهيم والأفكار والقواعد والإجراءات التي تهدي الأفعال والقرارات، أي أنها معلومات ممتزجة بالتجربة، والحقائق، والأحكام، والقيم... من حيث هي تركيب فريد يسمح للأفراد والمنظمات بخلق أوضاع جديدة، وبإدارة التغيير". وإلى جانب تأكيده على الطبيعة الديناميكية للمعرفة، فهو يصنفها إلى عدة أنماط؛ فهناك المعرفة الإجرائية، والمعرفة الإعلانية، والمعرفة البُعدية، والمعرفة الاستكشافية، والمعرفة العميقة، والمعرفة السطحية، والمعرفة الكيفية، والمعرفة السببية، والمعرفة الضمنية، والمعرفة الصريحة. أما إدارة المعرفة، كما يوضح المؤلف، فهي عملية هدفها تقديم الحلول للقضايا والمشكلات، واستقطاب المعرفة وإنتاجها والمشاركة فيها بين الأفراد والجماعات والمنظمات، وفي داخل المنظمات أيضاً، أي أنها تهتم باستثمار الموارد المعرفية وبناء ذاكرة للمنظمة تركز على تبادل المعرفة والمشاركة فيها من خلال عملية منهجية مستمرة. لذلك فإدارة المعرفة تختلف من حيث طبيعتها ووظائفها وأهدافها عن الوظائف الأخرى للمنظمة؛ فهي ليست وظيفة إدارية مستقلة، أو عملية منفصلة عن النشاطات التنظيمية الأخرى، كما أنها لا تدير نشاطات ملموسة وواضحة دائماً، بل هي حزمة من النشاطات والعمليات التنظيمية المتنوعة العابرة للمجالات الوظيفية. وبهذا المعنى فإن إدارة المعرفة تعني "التوجيه والتنظيم للمعارف والخبرات المكوِّنة، والخبرات التي تكوَّن باستمرار من خلال العمل اليومي، وتجارب المديرين وصناع القرار وممارساتهم". وفيما يخص دورة حياة المعرفة، فهي ذات ديمومة وصيرورة فاعلة، إذ تبدأ بنشاطات استقطاب المعرفة، مروراً بتكوينها، ثم المشاركة بها، وأخيراً تطبيقها. ويتطرق الكتاب أيضاً إلى نظم إدارة المعرفة، موضحاً ما يميزها عن إدارة المعرفة ذاتها؛ فالأولى تمثل أرقى أنماط نظم المعلومات وأكثر فئاتها اندماجاً بتقنيات الذكاء الصناعي وتكنولوجيا الاتصالات والشبكات... وإلى ذلك فهي تقوم بتنفيذ حزمة متنوعة من نشاطات استقطاب وترميز وتخزين المعرفة، كما هي حال النظم الخبيرة، أو نشاطات اكتساب خبرات التعلم الذاتي، وتحليل البدائل، ونمذجة القرارات... ويناقش الكتاب ظاهرة مجتمع المعلومات واقتصاد المعرفة، أي الاقتصاد الذي يعتمد أكثر فأكثر على الأصول غير الملموسة أو رأس المال الفكري (المعرفي). ويقصد بهذا الأخير القيمة الاقتصادية للأصول غير المنظورة في المنظمة، وهي أصول تشتمل على قسمين هما: رأس المال الإنساني، ورأس المال الهيكلي. ويتمثل رأس المال الإنساني في الموارد البشرية للمنظمة، إضافة إلى الزبائن والموردين والشركاء... وهو مصدر غني للأفكار والإبداع. أما رأس المال الهيكلي فيشير إلى حقوق ملكية البرامج والنظم وشبكات التوزيع وسلاسل التوريد... لكن ماذا عن رأس المال الفكري العربي، وكيف يمكن قياسه؟ تهتم الدول الصناعية المتقدمة بدراسة رأس المال الفكري الوطني وتقويمه، ووضع البرامج والمبادرات الوطنية الموجهة نحو استثمار الثروة المعرفية الوطنية وتحسين الأداء الاستراتيجي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي في هذا العالم المعولم. إلا أن حقل القياس والتقويم لرأس المال الفكري العربي، ما يزال خالياً، إلا من محاولات محدودة قامت بها الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة، لكن يعيبها، كما يقول المؤلف، كونها محاولات جزئية وسطحية، وإن بقيت أهمها دراسة أعدها "نيك بونتيس"، عام 2002، حول "مؤشرات رأس المال الفكري في الدول العربية"، وقد بنى نموذجه فيها على خمسة مكونات؛ رأس المال المالي (الثروة المالية)، رأس المال الإنساني، رأس المال العملياتي، رأس المال السوقي، وأخيراً رأس مال التجديد. وانتهى "بونتيس" من دراسته إلى أن حسابات رأس المال الفكري الوطني تمثل خُمس القوة التفسيرية للثروة القومية في العالم العربي. وبذلك يتضح أنه حيث نعيش في مجتمع المعرفة الرحب والمعولم واقتصادها، وحيث تتعاظم قيمة المعرفة كمورد استراتيجي مهم، وثروة قومية متجددة لا تنضب، وقيمة مضافة إلى كل نشاط... يفتقر العرب إلى الخريطة الضرورية لتوضيح كنوز المعرفة وأصولها في واقع حياتهم... لذلك لا غرو إن أخفقوا في رسم الاستراتيجيات والخطط اللازمة لخوض غمار الحاضر ورهانات المستقبل! محمد ولد المنى الكتاب: نظم إدارة المعرفة ورأس المال الفكري العربي المؤلف: سعد غالب ياسين الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2007