قبل ترشح "ديك تشيني" إلى جانب الرئيس جورج بوش في الانتخابات الرئاسية لعام 2000، ودخولهما معاً البيت الأبيض، يقول "ستيفن هايز"، الصحفي في مجلة "ويكلي ستاندارد" المحافظة ومؤلف الكتاب الذي نعرضه هنا "تشيني: القصة غير المروية لنائب الرئيس الأميركي الأقوى والأكثر إثارة للجدل"، إن "تشيني" لم يكن يقيم وزناً لمنصب نائب الرئيس، بل كان يعتبر بأن المنصب عديم الجدوى. والواقع أن "تشيني" قد لا يكون مخطئاً تماماً، بالنظر إلى تقاليد الحكم الأميركية التي تجعل من ذلك مجرد منصب شرفي في مجمله، لتبقى السلطة التنفيذية في يدي الرئيس وطاقمه الحكومي. لكن السنوات التي قضاها "تشيني" إلى جانب الرئيس بوش في البيت الأبيض، قطعت مع هذا المفهوم ليصبح موقع نائب الرئيس نقطة الارتكاز الأساسية في مؤسسة الرئاسة الأميركية. واستناداً إلى الحوارات التي أجراها المؤلف مع تشيني، فضلاً عن اللقاءات السابقة لنائب الرئيس مع وسائل الإعلام، يغطي "هايز" أهم المراحل التي ميزت حياة تيشني، بكثير من الدقة والتفاصيل. ويبدأ بمرحلة طفولته في ولاية "نيبراسكا" التي طغت عليها ثقافة الريف الأميركي، ثم سنواته الأولى على مقاعد الدراسة في الجامعة، وتعثره في متابعة دراسته، حيث اضطر إلى مغادرة جامعة "ييل" بعدما تبين فشله الدراسي. وبعدها رجع إلى ولاية "وايومينج" وامتهن أعمالاً بسيطة لم تكن لتصنع حاضره الحالي كأحد الشخصيات البارزة والمؤثرة في الحياة السياسية الأميركية. لكن قبل الدخول في المعترك السياسي والانضباط في مساره، يشير المؤلف إلى المشاكل التي واجهها "تشيني"، حيث تعرض للاعتقال من قبل الشرطة بسبب إفراطه في الشرب، وهو ما كان سيحول دون انضمامه لاحقاً للعمل في إدارة الرئيس "فورد". لكن يبدو أن حياة "تشيني" تغيرت بالكامل عندما التقى بزوجته "لين فينسينت" المتفوقة في دراستها، والتي استطاعت إرجاع بعض المعنى إلى حياته وإقناعه بالعودة إلى الجامعة كي يحصل أخيراً على شهادة في العلوم السياسية. وهكذا سرعان ما بدأ يتضح مسار تشيني وتتحدد ملامحه بعدما خرج من بيئته الأكاديمية في الجامعة وحصل على زمالة في الكونجرس عام 1968، ثم استدعي من قبل "دونالد رامسفيلد" للعمل في إدارة "نيكسون"، لتبدأ علاقة وثيقة بين الطرفين ظلت قائمة إلى اليوم. وبرجوع المؤلف إلى المذكرات والتقارير التي دبجها تشيني طيلة مشواره السياسي في مختلف الإدارات الأميركية، يسعى "هايز" إلى الكشف عن أهم الملامح المميزة لنائب الرئيس. فخلافاً للشخصيات السياسية التي تلهث وراء أضواء الإعلام والحضور العلني في المناسبات المختلفة، كان لافتاً للجميع أن تشيني يبتعد عن كل ذلك ويؤثر العمل خلف الستار. وهنا يشير المؤلف إلى أن هذا الأسلوب متأصل لدى تشيني وليس وليد عمله في إدارة الرئيس بوش، لاسيما وأنه كان يتكرر طيلة السنوات السابقة. والأكثر من ذلك، يكشف المؤلف عن أحد الملامح الأخرى المميزة لفكره السياسي والمتمثلة في إيمانه الراسخ بصلاحيات السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية، حتى عندما كان عضوا في الكونجرس. ولعل ذلك ما يفسر السياسات التي اشتهر بها تشيني في إدارة الرئيس بوش الحالية؛ مثل صياغته لقرار الحرب على العراق، ثم تأييده بعد ذلك لعمليات التنصت على المكالمات من غير إذن قضائي، فضلاً عن إسهامه الواضح في وضع الخطوط العريضة لحرب أميركا على الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر. وهي القضايا التي أثارت معارضة شديدة من بعض السياسيين "الديمقراطيين" الذين رأوا في الأسلوب السري لنائب الرئيس وتبنيه لأساليب جديدة في الاستنطاق، مساً خطيراً بالحريات العامة. بيد أن تشيني الذي وجد ضالته في إدارة الرئيس بوش المحافظة وانضمامه إلى وزير الدفاع وصديقه القديم "رونالد رامسفيلد" لتشكيل محور عرف باسم "المحافظين الجدد"، لم يكن اللاعب الوحيد في البيت الأبيض. فالكاتب يشير مثلاً إلى صراعه مع أقطاب آخرين في إدارة بوش، لاسيما وزارة الخارجية تحت قيادة "كولين باول"، ومن بعده "كوندليزا رايس"، وإن بحدة أقل! وحسب المؤلف، فإن الخلاف بين تشيني وباقي أعضاء الإدارة لا يقتصر على تلك الأسماء فقط، بل يمتد أيضا إلى الرئيس بوش نفسه. فمع أن تشيني لا يخفي ميوله المحافظة في المجال السياسي، فإن ذلك يقل بشكل لافت عندما يتعلق الأمر بالمحافظة الاجتماعية، وهنا بالذات يفترق مع بوش الذي عرف بمواقفه المعارضة للإجهاض، أو الزواج المثلي. ورغم أن كاتب السيرة لا يشير إلى الاختلافات الجوهرية الأخرى بين تشيني وبوش في السياسة الضريبية ومسألة فرض العقوبات على إيران أو إقالة "رامسفيلد"... إلا أنه فيما يتعلق بفكرة نشر الديمقراطية في الخارج، فإن تشيني لا يساوم بشأنها ولا يقبل التنازل عنها. وفي الأخير تبقى الإشارة إلى أن الصورة التي رسمها ستيفن هايز لنائب الرئيس تشيني منحازة في مجملها إلى كل ما هو إيجابي، من خلال إبرازها له على أنه الشخص المتمسك بمثله العليا والساعي أبداً إلى تغيير العالم. والواقع أن ذلك ليس غريباً بالنظر إلى خلفية الكاتب السياسية واصطفافه مع "المحافظين الجدد"، والتي تعتبر مجلته "ويكلي ستاندارد" محفلهم المفضل. زهير الكساب الكتاب: تشيني: القصة غير المروية لنائب الرئيس الأميركي الأقوى والأكثر إثارة للجدل المؤلف: ستيفن هايز الناشر: هاربركولينز تاريخ النشر: 2007