في ديسمبر 1977، زار الرئيس الأميركي "جيمي كارتر" إيران؛ حيث أثنى علناً على شاه إيران لحسن زعامته ونجاحه في تحويل إيران إلى "جزيرة استقرار" في منطقة مضطربة ومتقلبة. ولكن بعد ذلك بشهر، اندلعت أعمال شغب تزعمها الطلبة في إيران؛ وبحلول يناير 1979، اضطر الشاه إلى الفرار من البلاد، وصعد آية الله الخميني إلى السلطة، وغرقت إيران في الاضطرابات الثورية. وتعبيراً عن سخطهم واستيائهم من عقود من التدخل الأميركي في إيران ودعم نظام الشاه القمعي، اقتحم الطلبة الإيرانيون السفارة الأميركية واحتجزوا الدبلوماسيين الأميركيين كرهائن. كان ذلك مثالاً مهيناً لمدى إغفال صناع السياسة الأميركيين لعواقب السياسات الداعية إلى حقوق الإنسان والديمقراطية وللأعمال التي تناقض هذه القيم. وكان كذلك درساً حول كلفة تجاهل "نذر الإعصار". أما إدارة بوش، فقد برعت في تجاهل المؤشرات الأولى على خداع الذات. إذ حدث ذلك، على سبيل المثال، عندما طمأن وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد، خلال سعيه إلى حشد التأييد لحرب العراق، البلاد قائلاً إن الحرب المقبلة في العراق قد تدوم خمسة أسابيع أو خمسة أشهر، ولكنها "بالتأكيد لن تدوم أكثر". ثم جاء المؤشر الآخر عندما توقع نائب الرئيس ديك تشيني، الذي آثر عدم الاعتراف بالمقاومة المتزايدة للاحتلال الأميركي على الإقرار بواقعها، قبل عامين أن "يعاني (التمرد العراقي) صعوبات كثيرة" (قناة "سي. إن. إن"، 20 يونيو 2005). ولئن كان لا أحد من هذين المهندسين الرئيسيين للحرب يرغب في الاعتراف بأنه ضُلل، فإن بوش أُرغم على الاعتراف بأن الولايات المتحدة ليست بصدد الانتصار في الحرب، وإنْ شدد على زيادة الجهد العسكري في وقت ظهرت فيه أدلة جديدة على تضليل إدارة بوش للشعب الأميركي. فقد أكد المفتش العام للبنتاجون مؤخراً ما كنا نعرفه منذ بعض الوقت: أن معظم مبررات الحرب لُفقت في مكتب وكيل وزارة الدفاع دوجلاس فيث (واشنطن بوست، 9 فبراير 2007)، ودُعمت من قبل "بول وولفوفيتز" في البنتاجون، واعتُمدت في مكتب نائب الرئيس ديك تشيني، ولقيت ترحيب جورج بوش –الذي كان يرغب في "تعديل الحقائق حتى تناسب السياسة"، كما كشفت مذكرة "10داونينج ستريت". بعدها، شرع بوش وبطانته في تضليل الشعب الأميركي. أما الكونجرس، فمايزال لا يرغب في محاسبة الرئيس. بالمقابل، فإن الأحداث في العراق أقل مساعدةً لبوش من الكونجرس. فأولاً ثمة الواقع العسكري الآخذ في التدهور؛ وهو واضح ويعرف تغطية مكثفة من قبل وسائل الإعلام الأميركية. إذ مايزال جيش الاحتلال غير قادر، بعد أربعة أشهر من استراتيجية بوش الجديدة، على تأمين العاصمة بغداد، ناهيك عن القضاء على التمرد، وهو ما تعترف به وتؤكده وثائق البنتاجون الداخلية (نيويورك تايمز، 4 يونيو 2007). بل إن حركات التمرد، وبعد توصلها إلى نفس الخلاصة، عمدت إلى تنفيذ هجمات ضد "المنطقة الخضراء" المحصنة تحصيناً كبيراً، وغيَّرت تكتيكاتها حتى تتماشى مع الاستراتيجية الأميركية الأخيرة. وعلاوة على ذلك، فقد شكلت حركات التمرد خطورة كبيرة عبر ظهور أفرادها وتنفيذهم لهجمات منسقة، ومن ذلك معارك مفتوحة مع القوات الحكومية في شوارع عدة مدن عراقية. وقد اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" هذا التطور الأخير دليلاً على "الوضع الأمني الخطير في معظم أنحاء العراق" (17 مايو 2007). "نذر الإعصار" يغذيها أيضاً تضافر الشلل العسكري والفشل السياسي. أما حالات الفشل السياسي، فموثقة في تقرير أعدته منظمة الأمم المتحدة، ووكالات مختلفة تابعة للحكومة الأميركية. وفي هذا الإطار، شكل الأداء الديمقراطي للحكومة العراقية هدفاً للانتقادات والهجومات عندما اتهم تقريرٌ للأمم المتحدة الحكومة بالفشل في معالجة انتهاكات حقوق الإنسان مثل التعذيب. كما أعربت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء "الافتقار الواضح" إلى ضمانات قضائية للمعتقلين الذين تم إيقافهم خلال الاستراتيجية الأميركية الأخيرة المعتمدة في بغداد. أما الفساد، فيبدو مستشرياً ومتردياً؛ إذ يُتهَم مسؤولون عراقيون من الحكومات المختلفة التي أعقبت سلطة الاحتلال بسرقة مليارات الدولارات من أموال إعادة الإعمار. وفي هذا الإطار، يشير تقرير أنجزه مكتب المحاسبة التابع لحكومة الولايات المتحدة إلى أن ما قد يصل إلى 15 مليون دولار من النفط العراقي يتم اختلاسها من قبل المهربين والمسؤولين العراقيين الفاسدين. كما أظهر التقرير أن 5.1 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب الأميركيين و3.8 مليار دولار من الأموال العراقية أُنفقت في سبيل إصلاح قطاعي الكهرباء والنفط؛ غير أن متوسط إنتاج شبكة الكهرباء العراقية بلغ اعتباراً من فبراير الماضي 3800 ميجاوات فقط، أي أقل بكثير عما كان عليه الحال قبل غزو 2003. إلى ذلك، وجد المفتشون الفيدراليون الأميركيون، ضمن تقرير آخر يرصد حالة برنامج إعادة إعمار العراق، أن سبعة مشاريع لم تعد تعمل كما كان مقرراً لها، وذلك من أصل ثمانية مشاريع كانت الحكومة الأميركية قد أعلنت نجاحها. والحقيقة أن بعض التفسيرات التي تقدم لتفسير هذا الفشل الذريع تبعث على الضحك؛ فعندما طلب المفتشون الأميركيون، مثلاً، رؤية محرقة النفايات الطبية التي أقيمت مؤخراً في أحد المستشفيات، قال لهم المسؤولون العراقيون إن المحرقة مقفولة وإنهم "لم يجدوا المفتاح"!. (نيويورك تايمز، 29 أبريل 2007). الغريب أن بوش، الذي يواجه احتجاجاً "جمهورياً" وتراجعاً للدعم الشعبي في الداخل ونكسات عسكرية وفشلاً سياسياً واقتصادياً في العراق، تحدث الأسبوع الماضي عن "الفوز" في بلاد الرافدين ضد من "هاجمنا في أميركا في الحادي عشر من سبتمبر" (نيويورك تايمز، 12 يوليو 2007).