كثر الحديث في السنوات الأخيرة حول الديمقراطية والشورى؛ وأيهما أصلح للتطبيق في مجتمعاتنا؟ وهل الشورى والديمقراطية متناقضان؟ ما هي أوجه الاختلاف والشبه بينهما؟ وهل يمكن خلق نوع من التوفيق والتوازن والتكامل بين الاثنين، بحيث يستفيد المجتمع منهما معاً؟ أسئلة كثيرة ومهمة تأتي في إطار محاولة الفهم الصحيح لموضوع تطبيق الشورى والديمقراطية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. الكثير من الكتابات والدراسات والأفكار والكتب التي ظهرت في السنوات الأخيرة، حاولت أن تحدد ملامح الصورة في كلتا النظريتين، وأن تضع تعريفات وتفسيرات وتصورات لمدى نجاح تطبيق الشورى أو الديمقراطية في مجتمعاتنا. نفس الكتابات والدراسات حاولت أيضاً أن تجيب على العديد من التساؤلات التي تتعلق بالنظريتين، بعضها كان ينحاز إلى الشورى، ويرى أنها الأفضل والأصلح للتطبيق، والآخر كان يناقض هذا التصور ويرى أن الديمقراطية هي الأصلح. وما يميز هذه الكتابات أنها كانت تطرح الكثير من الأفكار والمعارف والمفاهيم التي تخص النظريتين. ومن ذلك كتاب الدكتور توفيق محمد الشاوي "الشورى أعلى مراتب الديمقراطية"، والذي لم يكتفِ بتعريف النظريتين، بل وضح ما بينهما من فروق كثيرة، وأهم من ذلك أنه تناول نقطة مهمة، حين أكد أن كلاً من النظريتين تحتاج إلى الاستفادة مما في النظرية الأخرى من قواعد ومفاهيم، حتى تصبح صالحة للتطبيق في مجتمع إسلامي معاصر. المؤلف يحدثنا منذ البداية قائلاً: إن دراسة العلاقة بين الشورى والديمقراطية يجب أن تبدأ بالموازنة بين النظريتين وتوضيح مزايا كل منهما، ليكون بينهما تكامل يضع حداً للخلاف القائم بين أصحاب النظريتين. ثم يضيف أن المشكلة التي تقف حاجزاً ضد تحقيق التكامل بين الشورى والديمقراطية هي مسألة الشريعة الإسلامية، لأن مرجع أحكام الشورى هو الشريعة، في حين أن من يرفعون شعار الديمقراطية يستمدون أحكامها من فلسفات يونانية أو نظريات أوروبية لا دينية. ويعرف المؤلف الشورى بـ"أنها منهاج شرعي لتبادل الرأي والفكر الحر قبل إصدار القرار من الجماعة أو أهل الحل والعقد الممثلين لها أو من المختصين، وفقاً لأحكام الشريعة في جميع الشؤون الاجتماعية والفردية". أما تميزها عن الديمقراطية فيأتي من كونها تابعة للشريعة ومرتبطة بها، تقدم الفقه الإسلامي للعالم على أنه فقه المستقبل الذي يسلح الشعوب بمبادئ الشريعة الإلهية، وتقوم على أساس الحرية الكاملة للأفراد والشعوب، لأن حرية الرأي والمناقشات والحوار هي جوهر الشورى. وأهم من ذلك أن محور نظرية الشورى هو نص القرآن الكريم في سورة الشورى: "وأمرهم شورى بينهم"، مما يقتضي أن تكون الشورى منبعاً لجميع نظم المجتمع. أما الديمقراطية فتعرف بأنها "حكومة الشعب الذي تمثله أغلبية وهي طبقة العامة"، وهي تستند إلى الفلسفات الأوروبية واليونانية التي ترى أن هناك صراعاً بين طبقات المجتمع، وأن هدف الديمقراطية تقرير سيادة الأغلبية، لأنها أكثر عدداً. هذا الصراع الطبقي والحزبي الذي تضمره النظرية الديمقراطية، إذا استمر بعد قرار الأغلبية، فإنه يتناقض مع أساسها. ثم إن قيام الديمقراطية على فلسفات وضعية، يفتح الباب لمن يرفضون شعاراتها أن يصوروا أهواءهم ومطامعهم في صورة فلسفات يفرضونها على الناس. لذلك فالملاحظ أن أكثر الدول طغياناً واستعماراً وظلماً للأمم والشعوب، هي التي تطبق النظم الديمقراطية، إذ لم تمنعها ديمقراطيتها من اتخاذ قرارات عدوانية ظالمة لاستغلال الشعوب الأخرى واستعبادها واحتلال أراضيها بقصد التوسع والسيطرة الاستعمارية. نحن مع الديمقراطية التي ترتبط بالثوابت الدينية والقومية، وتكون مكملة لمنهج الشورى (الديمقراطية الإسلامية).