ها هم بعض الموتورين يحاولون تسْطيرَ فصْلٍ آخر في كتاب الكوميديا السوداء العربية والإسلامية. لكأنّ الصّراعات العربية والإسلامية الجانبية لا تنتعش ولا تهتزّ وتربو إلا عندما يكون التتار أو المغول أو الصليبيون أو الصهاينة... يدقون أبواب عواصم العروبة والإسلام! اليوم، إذ تنهش القوى الأجنبية في جثث العراق وفلسطين ولبنان والسودان والصومال... وإذ تستعدّّّّّّّّ للقفز على سوريا وإيران، ينبري بعضهم في الضفّة الإيرانية هذه المرة، لإذكاء الخلافات التاريخية والثقافية والسياسية والمذهبية بين إيران المسلمة ودول مجلس التعاون العربية المسلمة! لكننا، وفي خضمّ التلاسن الإعلامي الفج، نحتاج أن ننتبه للجوانب التالية من المسألة: أولاً: هناك الحقائق الجغرافية والسكانية والتاريخية التي تتواجه بندية على جانبي مياه الخليج. ففي النصف الشرقي الإيراني تمتدّ الرّقعة الجغرافية الواسعة حتى أواسط آسيا، حيث يعيش خمسة وسبعون مليوناً من البشر الذين تضرب جذور تاريخهم الحضاري في القدم السحيق. لكن يقابل ذلك في النصف الغربي العربي أيضاً رقعة جغرافية تمتد في سعة هائلة مابين البحر الأحمر في الغرب والبحر العربي في الجنوب وجبال إقليم كردستان في الشمال، حيث يعيش أكثر من ثمانين مليونا من البشر الذين هم أيضاً تضرب جذور تاريخهم الحضاري في الأزمنة السحيقة. هذا الواقع السّاطع يعني، وسيعني أكثر في المستقبل، أن لا أحد يستطيع تجاهل الآخر وأن التعايش والتضامن والتفاعل الخلاّق والنديّة المسالمة يجب أن تحلّ محلّ التفاخر الصبياني المغلوط حول الحجم أو العدد أو التفوق الحضاري في التاريخ. ثانياً: ما يجمع ضفّتي الخليج، وجزءاً مهماً من تاريخه، هو الإسلام. ولن تستطيع التناظرات، ولا حتى المجادلات الغوغائية أحياناً، فيما بين التشيع الصفوي الإيراني والتشيُع العلوي العربي والتمذهب السنّي بكل أشكاله أو الزّيدي أو الأباضي... أن تطمس تلك الحقيقة الوجودية الكبرى في حياة سكان بلدان الخليج كلّها. وعبر القرون الخمسة عشر الهجرية جرت محاولات لنبش تاريخ الفتن الكبرى والمذابح والمظالم والاغتيالات والحروب العبثية والتنابز بالألقاب والتفاخر بالأعراق... فشلت كلها في زحزحة الوحي الإلهي والرسالة المحمدية. وعليه فإن ما يجري الآن من محاولات لإقحام المذهبية في عوالم السياسة الانتهازية، ولبعث التاريخ الذي يرقد ساكناً في القبور، ولاستعادة خطابات التفاخر والهجاء والكذب، وللقفز فوق الانتماءات الوطنية والمشاعر القومية باسم الدفاع عن هذا المذهب وحماية أصحاب ذلك المذهب... جميع تلك المحاولات ستفشل مثلما فشلت محاولات كثيرة سبقتها. فصلابة دين الإسلام وحقائق الجغرافيا وتقاطع المصالح والمواجهة المشتركة للغيلان القادمين من وراء البحار والمحيطات... كلها لن تسمح بالدخول في صراع بين ضفّتي الخليج. ثالثاً: الحقيقتان السّابقتان لا تستطيعان إيقاف العيش في مرارات ونواقص الواقع. فالعرب مثلاً لديهم اعتراضات أساسية على الممارسات السياسية الإيرانية في العراق، ولديهم مطالب يعتبرونها قانونية وعادلة بشأن الجزر الإماراتية الثلاث. بينما لدى إيران مثلاً مخاوف تجاه بعض المواقف لعدد من دول الخليج العربية، ولديها أيضاً اعتراضات على بعض الخطابات المذهبية الموجهة مباشرة ضدها... وهناك عشرات من مثل هذه القضايا والمواقف المختلف عليها. من هنا تأتي الأهمية الكبرى لوجود أداة مؤسسية إقليمية سياسية دائمة للمناقشة والأخذ والعطاء واستباق الأحداث، كالتي أدت في السابق إلى الحرب العراقية -الإيرانية أو التي تحدث اليوم في الساحة الجنوبية العراقية... ولا يوجد مبرر لأن لا يقع الاتفاق على خطوط حمراء تأخذ بعين الاعتبار المصالح القومية لكلا الجانبين، العربي والإيراني، على ضفتي الخليج. الأزمة الإعلامية التي تفجرت مؤخراً، قابلة للتكرار مرة تلو الأخرى طالما أن هناك أوساطاً إيرانية تحلم بإرجاع عقارب التاريخ إلى الوراء، وأوساطاً عربية لا ترى في إيران إلا مصدراً للتآمر والشرور المذهبية. لكن لنتق الله في إسلامنا المشترك، ولنغلب الحكمة ومتطلبات الجيرة وأحلام أجيال المستقبل في الضفتين.