التقرير الذي أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية مؤخراً حول احتمالات المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، يكشف أن احتمالات المواجهة بين الطرفين أقوى من احتمالات التهدئة وحل المشكلة القائمة بينهما عبر الحوار. كما أن الدلائل على الأرض من حيث استعدادات دول المنطقة لوضع بدائل أو اتخاذ إجراءات فيما لو تم إغلاق مضيق هرمز، وقيام إيران بضخ ما يقارب 200 مليار دولار لدعم إنتاجها النفطي، واستعراض القوة الذي تقوم به إيران حالياً قرب مضيق هرمز، بالإضافة إلى دورها في العراق، وقيام الكونغرس الأميركي بالتخطيط لتشديد العقوبات على الشركات غير الأميركية لإجبارها على عدم الاستثمار في قطاع الطاقة الإيراني، والدعم الإيراني لـ"طالبان"، والذي يثير إزعاج الولايات المتحدة عبر استهداف حليفتها الاستراتيجية (باكستان) ويجهض محاولات الولايات المتحدة لتعقب الإرهاب والقضاء عليه، علاوة على التدريبات الأميركية الإسرائيلية المشتركة على رحلات عسكرية جوية لمناطق بعيدة يثير الاحتمالات الواضحة بأن الهدف هو المنشآت النووية الإيرانية، ناهيك عن القمر الاصطناعي الإسرائيلي (أفق 7) الذي يمر فوق إيران وسوريا كل 90 دقيقة! كل هذه المعطيات تدعو إلى ترجيح كفة التشاؤم والقول بأن المواجهة آتية لا محالة بين الولايات المتحدة وإيران، ومما يدعم هذا الاتجاه تصريحاتُ المسؤولين الأميركيين بأن "العقوبات المؤلمة" قد تكون أهم إجراء يتخذه المجتمع الدولي لعزل إيران اقتصادياً وسياسياًَ. خصوصاً أن إيران لا تثق بالضمانات الأميركية، وواشنطن ترى في إيران "مُعَطلاً" لخططها في المنطقة، وأن آخر تقرير أصدره مجلس الأمن القومي الأميركي اعتبر أن إيران من أبرز مهددي الأمن القومي للولايات المتحدة والمصالح الأميركية... كما ورد في تقرير المركز المذكور. وتابعت بريطانيا تحذيراتها –الأسبوع الماضي– لإيران من محاولتها تطوير أسلحة نووية، معتبرة أنه ليس لطهران "الحق في إطلاق سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط"، حسبما ذكرته صحيفة "الفاينانشال تايمز" نقلاً عن وزير الخارجية البريطاني "ديفيد ميليباند". في ذات الوقت، وعلى طرف نقيض، أعلن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي أن إيران "أبطأت" من توسيع قدراتها لتخصيب اليورانيوم في مصنع "نطنز"! هذه الأجواء – والتي تعكس التناقض بين الأطراف المعنية– تخلق إرباكاً لدى الأطراف ذاتها، ولعلنا نستذكر الإرباك الذي حصل بين الولايات المتحدة والعراق قبل غزو الأخير للكويت عام 1990! وإذا ما أخذنا "مآخذ" إسرائيل على إيران، كونها تدعم الأطراف المعادية لها (حزب الله في لبنان، وفصائل المقاومة في فلسطين)، فإن حماس إسرائيل لتوجيه ضربات استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية، قابل للإثارة والازدياد. والتدريبات الأميركية الإسرائيلية المشتركة حول ضربات جوية بعيدة المدى لا تخرج عن ذالك "الحماس"! إيران التي لا تثق في وعود الولايات المتحدة، هي الأخرى تتوجس من ضربات أميركية. وما إخراج تلك المليارات خارج إيران، وتدفق الأثرياء الإيرانيين –الذين لاحظنا وجودهم بكثافة في بلدان الخليج– إلا أدلة واضحة على مدى "الحذر" والخوف معاً من حالة اشتباك بين الطرفين، أياً كان نوعها! خليجياً، يزداد مدى القلق؛ فالإجراءات المتخذة لضمان تدفق النفط إلى الخارج، توضح مدى ذالك القلق. وفي حال إغلاق مضيق هرمز، ستجد هذه الدول نفسها مضطرة للجوء إلى بحر العرب لنقل نفطها وغازها إلى الأسواق العالمية. وربما احتاج الأمر إلى وقت غير قصير لمد أنبوب من الكويت إلى عمان! لكن يبدو الأمر أكثر سهولة بالنسبة لنقل نفط الإمارات عبر منفذ الفجيرة على خليج عمان وصولاً إلى بحر العرب، كما يبين التقرير المذكور. خليجياً، ومن خلال بيان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الأخير، فإن مطالبة دول المجلس لإيران بالتخلي عن احتلالها لجزر الإمارات الثلاث، وحل القضية عن طريق الحوار، مايزال بعيداً عن اهتمام الدوائر الإيرانية الرسمية. وهذا ما يلقي بظلال قاتمة على العلاقات الخليجية -الإيرانية، خصوصاُ مع التهديدات الإيرانية المتكررة بضرب المصالح الأميركية في المنطقة. هذه التهديدات التي ما انفكت طهران تطلقها كلما زادت الولايات المتحدة من "تسخينها" لمياه الخليج، سواء عبر استعراض البوارج وحاملات الطائرات، أو التشهير بتنامي القدرات النووية الإيرانية. وفي ظل " تلكؤ" روسي في مواصلة تقديم التقنية الروسية للمفاعلات النووية الإيرانية، على خلفية تأخر إيران في دفع مستحقات روسيا، فإن التحالف الأميركي -الأوروبي قد يجذب روسيا إلى دائرته، وبالتالي يزداد الخناق الدولي على إيران، خصوصاُ إن إسرائيل تلعب دوراً مهماً في "تجييش" العالم ضد إيران! وكان آخر ملامح هذا التجييش لقاء رئيس وزراء إسرائيل أيهود أولمرت مع نظيره الإيطالي رومانو برودي، حيث صرح الأخير بـ"أن رفض إيران الامتثال لمطالب مجلس الأمن الدولي، يزيد من احتمال تشديد العقوبات، وهذا يقودنا إلى طريق لا يرغب أحدٌ في سلوكه"! وقد ردّ أولمرت بالقول: "لن نقبل إطلاقاً بأن تتمكن دولة تهدد بتدمير دولة إسرائيل من امتلاك السلاح النووي ذات يوم"! وتلك إشارة واضحة لإيران. مثل هذه الحوارات تدعم التوجهات الأميركية -المدعومة من مجلس الأمن– نحو محاصرة إيران اقتصادياً، وربما توجيه ضربات محددة لتأخير تطوير قدرات إيران النووية عشرات السنين. لكننا نعتقد بأن حسابات الولايات المتحدة ستكون أبعد من ذلك بكثير، فدول مجلس التعاون –الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة– والتي تشكل هدفهاً سهلا ومكشوفاً للقدرات العسكرية الإيرانية، لا يمكن أن تتحطم بُناها التحتية خلال ساعات من تنفيذ إيران لتهديداتها المتكررة، حتى لو فقدت الولايات المتحدة بارجة أو حاملة طائرات على افتراض هجمات انتحارية أو هجمات بالصواريخ. إلا أن الخسائر في الجانب الخليجي ستكون كارثية؛ وقد تعيد دول المنطقة إلى عصر ما قبل النفط، فيما لو تم استهداف منشآت النفط والغاز ومحطات توليد الكهرباء وتحلية المياه. نحن لا نذكر هذا من باب التهويل أو المبالغة! لكن ثقافة الحرب لا تسمح بالتفكير في النوايا أو التداعيات الإنسانية، بل تدفع بالنيران نحو النيران، وبالدمار نحو الدمار، ولعلنا نتذكر ما جرى في العراق والحسابات الأميركية الخاطئة، والشعور الذي سبق دخول القوات الأميركية للعراق بأن الشعب العراقي سيستقبل الجنود الأميركيين بالزهور، وأن السلام سيعم البلاد التي ستكون نموذجاً أميركياً للديمقراطية والحرية..! نحن نعتقد بأن تورّط الولايات المتحدة في حرب مع إيران – وهي مازالت متورطة في العراق– لن يكون قراراً صائباً، حتى وإن قامت إسرائيل بالحرب أو الإغارة المباغتة نيابة عنها، فذلك سيشعل منطقة الشرق الأوسط بأسرها. وستعود الصواريخ مجدداً لتهدد المدن الإسرائيلية! نقول: نأمل ألا تصحّ مقولات التقرير المذكور! فالمنطقة ليست بحاجة إلى حرب جديدة! أكاديمي وإعلامي قطري hamsalkhafi@hotmail.com