عندما تعرض دبلوماسي كويتي لاعتداء في إيران، صرحت وزارة الخارجية الإيرانية بأن الاعتداء لا يعبر عن السياسة الإيرانية، لكن من قام بالاعتداء ينتمي إلى صفوف جهات منظمة تتبع بعض مراكز القوى. في الحالة البحرينية يهاجم أحد المستشارين مملكة البحرين ودول الخليج العربية، ثم يصرح وزير الخارجية الإيراني بأن ما نشر لا يمثل سياسة إيران حيال أصدقائها في الخليج. يبدو أن إيران تنتهج سياسة مزدوجة، فهناك أطراف تصرح لتهدئ الموقف، وأطراف تحاول أن توتر الأجواء... هذه السياسة المزدوجة تأتي بثمارها؛ فعندما تريد إيران أن تهدد وترسل برسائل، تستخدم الأطراف المتشددة، وعندما تريد أن تطمأن جيرانها في الخليج، يخرج لدينا من يحاول أن يرطب الأجواء! ليست هذه هي المرة الأولى التي تصرح فيها إيران بأن البحرين جزء من أراضيها، فقد صرحت بذلك مرات عديدة، ما جعل البحرين ودول الخليج العربية تشعر بحالة تخوف من الموقف الإيراني. إيران أعلنت رسمياً بان الجزر الإماراتية تابعة لها، وأن مطالبة الإمارات بها "غير مجدية"، بينما تحاول دولة الإمارات العربية المتحدة انتهاج سياسة دبلوماسية للتوصل إلى حل للازمة بين البلدين. دول الخليج العربية تعلن موقفها المساند، وبلا تردد، لمطالب دولة الإمارات وحقوقها في جزرها المحتلة. وزير خارجية مصر اعتبر السياسة الإيرانية تهديداً للأمن القومي لبلده باعتبار أن "حماس" مرتبطة بعلاقات قوية مع الطرف الإيراني. إيران مصرة على استكمال مشوارها النووي وغير عابئة بالمطالب الدولية، وقد نتفهم طبيعة القلق الإيراني، حيث أن ما حدث في العراق قد يتكرر في إيران أيضاً، ما يجعل طهران تصر على تسلحها النووي. دول الخليج العربية أعلنت عن رغبتها في تطوير قدراتها النووية السلمية، وإيران لا ترى حاجة لذلك، وتشعر بأن تطوير قدرة نووية في الإقليم الخليجي هو بمثابة تهديد لها! الولايات المتحدة الأميركية، تتجاذبها قوى صنع القرار، فهناك من يدفع في تجاه التحجيم، وهناك من يوافق على التفاهم الدبلوماسي من خلال الاتحاد الأوروبي. لكن في جميع الأحوال، فإن الولايات المتحدة لن تسمح بنمو قدرة نووية مهددة للمصالح الإسرائيلية بالدرجة الأولى، وهي بقرارها دخول مواجهة عسكرية، سوف تساهم باضطراب الإقليم الخليجي وسترفع وتيرة الإرهاب. إيران استطاعت أن تحقق نجاحاً في ملء الفراغات في المنطقة العربية، بعد زوال القوة العراقية. فإيران اليوم تملك الأوراق اللبنانية والسورية والعراقية، وهي تستخدم هذه الأوراق معاً لمزيد من الضغط على واشنطن. محور الاعتدال العربي فشل في صياغة رؤية نابعة من مصالحه، وبالتالي فهو في حالة عجز كالعادة في مواجهات المتغيرات على أرض الواقع، ما يمنح إيران مزيداً من القوة والتصلب. بعد سقوط العراق كقوة إقليمية، لم تنتهز دول الخليج العربية الفرصة لتطوير منظومة التعاون بينها، بل سعت إلى مزيد من المواجهات غير المباشرة، وتحول بعضها إلى أدوات ضاغطة على دول أخرى، ما فوت فرصة تاريخية لتطوير مجلس التعاون الخليجي. الأوضاع معقدة وما يحدث في العراق ولبنان وفلسطين، له انعكاساته على استقرار المنطقة العربية بأكملها. المتابع للشأن العربي يلاحظ بان عملية التفكيك قد بدأت وأن خريطة التحالفات تتغير والمصالح تتضارب... ما يعرض المنطقة بأكملها إلى إعادة تفكيك جديدة على غرار "سايكس- بيكو". الخطورة تتجسد في استمرار حالة اللامبالاة العربية، وهي انعكاس حقيقي لغياب رؤية عربية متقاربة حول طبيعة المخاطر المحدقة بالمنطقة. وفي ظل هذه الإخفاقات المستمرة، لا يجد المواطن العربي أمامه سوى متابعة أخبار مواجهات مخيم نهر البارد والمسجد الأحمر!