في منتصف الأسبوع الماضي دخل حيز التنفيذ أحد أهم مشاريع البنية الأساسية في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث بدأ تدفق الغاز القطري إلى دولة الإمارات، ومن ثم لسلطنة عُمان في فترة لاحقه، من خلال خط أنابيب مشروع دولفين ذي الأهمية الاستراتيجية. مع تدفق الغاز، ستتدفق الاستثمارات، وستُقام المزيد من المشاريع الصناعية وستتوفر فرص عمل كثيرة، وستشغل المزيد من محطات الكهرباء وتحلية المياه، مما سيؤدي بدوره إلى تنمية الاقتصاديات الخليجية، وتنويع مصادر الدخل القومي فيها. هذا المشروع العملاق، والذي يمتد لمسافة 364 كيلومترا تحت مياه الخليج يعتبر مثالاً حياً للمشاريع التي تحتاجها دول مجلس التعاون الخليجي لتحضير اقتصادياتها للمستقبل، فمصادر الطاقة تعتبر المحرك الرئيسي للتنمية، فالنفط على سبيل المثال، ساهم مساهمة فعالة في إعادة بناء الاقتصاديات الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، كما أن الاقتصاديات سريعة النمو، كالاقتصاد الصيني والهندي، يعتمدان على وارداتهما من النفط، وبالأخص من منطقة الخليج. البنية الأساسية للطاقة في المنطقة بحاجة لمشاريع إضافية مماثلة، فدول مجلس التعاون مقدمة على نقلة تنموية كبيرة في العقدين القادمين، مما يتطلب تهيئة البنية الأساسية للطاقة لمثل هذا التحول التنموي. في هذا الصدد، توصلت دول المجلس إلى إنجاز الربط الكهربائي والمتوقع استكماله في العام القادم، على أن تستكمل كافة مكوناته بصورته النهائية في عام 2010. وهذا بحد ذاته إنجاز مهم، سيتيح الاستفادة من الاستثمارات الكبيرة لدول المجلس في إنتاج الطاقة الكهربائية، خصوصاً وأن هذا النوع من الطاقة لا يمكن تخزينه، مما يستوجب استهلاكه بعد إنتاجه مباشرة. بحجم مشروع الربط الكهربائي، دول المجلس بحاجة لشبكة ربط للغاز الطبيعي، حيث يمكن لمشروع "دولفين" أن يكون نواة مشروع شبكة الغاز بين دول المجلس، هذا على اعتبار أن مشروع الغاز يكتسب أهمية أكبر، فاستخدامات الغاز عديدة ومتنوعة، تبدأ بتشغيل توربينات إنتاج الكهرباء مروراً باستخدامه كمادة أولية للصناعات البتروكيماوية، وليس انتهاء بالاستخدامات المنزلية والتجارية وحقن آبار النفط لرفع قدراتها الإنتاجية. مثل هذا المشروع سيشكل دعماً كبيراً للاقتصاديات الخليجية، وسيقلل كثيراً من تكاليف الإنتاج الصناعي، إذ أن مشكلة الغاز الطبيعي، تكمن في تكاليف النقل المرتفعة، ما عدا تكلفة نقله الرخيصة نسبياً عن طريق الأنابيب، وهنا تكمن حكمة وصحة توجه القائمين على مشروع دولفين، حيث أن تخفيض التكاليف، أصبحت مسألة حاسمة في المنافسة التجارية في العالم. شبكة الغاز الموحدة، يمكن أن تتيح إقامة الكثير من المشاريع الصناعية التي تملك فيها دول مجلس التعاون أفضليات إنتاجية على المستوى العالمي، فمشروع "دولفين" على سبيل المثال سوف لن يغذي محطات إنتاج الطاقة الكهربائية فحسب، وإنما مشاريع صناعية عملاقة، كالألمنيوم والحديد والتي تشكل مصادر الطاقة 40% من مكوناتها. بالاعتماد على استراتيجيات الطاقة سيعتمد نجاح برامج التنمية في مختلف بلدان العالم، من هنا نرى التوجهات العالمية في البلدان الكبيرة والتكتلات الاقتصادية التي تعمل على ضمان إمداداتها من مصادر متعددة في العقود الثلاثة القادمة. مشروع "دولفين" الذي بدأ تشغيله في الأسبوع الماضي يأتي ضمن هذا التوجه الاستراتيجي المستقبلي، والذي يأخذ بعين الاعتبار التغيرات الاقتصادية العالمية، وبالأخص في مجال الطاقة، والتي تكتسب المزيد من الأهمية عاماً بعد آخر. من ناحية أخرى يشكل "دولفين" مثالاً يحتذى به لنجاح الشراكة المتبادلة بين الاستثمارات المحلية والأجنبية، مثلما يمثل نموذجاً للتعاون المثمر بين دول مجلس التعاون الخليجي، كما أنه يعد إنجازاً كبيراً لبرنامج "مبادلة"، والذي أخذ يلعب دوراً محورياً في التنمية الاقتصادية بدولة الإمارات. مع التوجهات الاقتصادية المتنوعة في الدولة، وبالاعتماد على الثروة النفطية وعلى مشاريع استراتيجية بحجم مشروع "دولفين"، يمكن النظر بكثير من التفاؤل للمستقبل الاقتصادي في دولة الإمارات، والتي يتوقع أن تحقق معدلات نمو مرتفعة في السنوات القادمة.