قبل عدة سنوات، التقى شخصان مصابان بالتهاب الكبد الفيروسي C ضمن إحدى جماعات دعم المرضى، وسرعان ما اكتشفا أن ما بينهما أكثر من مجرد المرض، بل الطريقة التي أصيبا بها. فقد التقطا الفيروس معاً عند خضوعهما لعملية قلب مفتوح ومن قبل الجراح ذاته. وهو ما دفع المحققين المختصين في مجال الصحة العامة الذين أجروا تحقيقات سابقاً، لكن من دون أن يسألوا فريق الجراحين عما إذا كانوا مصابين بالمرض، إلى التوجه بالسؤال مباشرة هذه المرة. وبعد فترة قصيرة تمكن المحققون من تحديد الجرّاح الذي نقل العدوى على نحو غير مقصود إلى المريضين. وبالطبع لم يحمل الدكتور المعنِي أدنى مسؤولية قانونية وظل يُجري المئات من عمليات القلب المفتوح كل سنة. وفي تعقيب له على القضية صرح محامي الدكتور "إن موكله أجرى تحليلات في السنوات الأخيرة أثبتت خلوه من فيروس التهاب الكبد، وبأنه لا توجد قيود تمنعه من مواصلة ممارسته الطبية"، مضيفاً "إنه لم يقم بأي شيء خطأ وقام فقط بواجبه". ومع ذلك شكلت هذه القضية فرصة للتفكير فيما ظل غائباً إلى حد الآن عن الأذهان، وهو إمكانية انتقال عدوى فيروسية من الموظف في الحقل الصحي إلى المريض. فالمعروف أن التهاب الكبد الفيروسي بنوعيه (B وC)، فضلا عن فيروس داء فقدان المناعة المكتسبة ينتقل عبر الدم، وأن الأطباء على غرار الطهاة يجرحون أحياناً أيديهم. وإذا ما حدث ذلك أثناء إجراء العملية، فإن الجراح معرض إما لنقل العدوى، أو التقاطها. وفي هذا الصدد ذكر تقرير صادر عن دورية "نيو إنجلاند" الطبية الأسبوع الماضي بأن الجراحين تحت التدريب يخِزون أنفسهم بالإبر الطبية بمعدل ثماني مرات خلال خمس سنوات. لكن بالرغم من الأخطار المحتملة لا يوجد ما يفرض على الأطباء والعاملين في المجال الصحي أن يجروا التحليلات لمعرفة ما إذا كانوا مصابين بالفيروسات التي تنقل عن طريق الدم، وحتى في حال اكتشاف الإصابة لدى الأطباء فإنه لا توجد قوانين تحظر عليهم الاستمرار في مزاولة مهنة الطب، أو الجراحة. وعندما تُستدعى هيئات خاصة من الخبراء للنظر في حالات عدوى، فإنهم غالباً ما يُجابهون بامتناع الجراحين الخضوع للتحليلات. وبرغم تأكيد المسؤولين الفيدراليين في المجال الصحي أن احتمال انتقال عدوى فيروسية من الطبيب إلى المرضى تبقى ضعيفة وغير ذات شأن، فإن المنتقدين يشيرون إلى ما يعتبرونه ازدواجاً في المعايير. ففي حين توجد قوانين تحمي العاملين في المجال الطبي أثناء تعرضهم لدم ملوث من أحد المرضى، فإنه في المقابل لا توجد قوانين مشابهة تحمي المرضى الذين يخضعون لعمليات جراحية. وتقول "جنين جاجير"، عالمة فيروسات ومديرة المركز الدولي لحماية العاملين في المجال الصحي "إن المرضى لا يعرفون أنهم تعرضوا لنقل العدوى لأنهم يكونون تحت التخدير أثناء إجراء العمليات. وإذا لم تسجل الحالة في التقارير، فإنه لا يمكن القيام بشيء حيالها"، مضيفة "إن المرضى لا يتوقعون احتمال إصابتهم، لذا يتم إغفال الموضوع وإخفاؤه". وفي المقابل يطلب من العاملين في المجال الصحي تسجيل أي حادثة تعرضوا خلالها لدم المريض حتى يتسنى للمراقبين إجراء فحوصات للعامل والمريض وإخضاعهما للمراقبة الطبية. ويمكنهم، حسب الدكتورة "جاجير"، الاستفادة من العلاج الوقائي مثل العقاقير المضادة للفيروسات في حال ثبتت الإصابة. لكن في السنوات الأخيرة دأب "لورينس جوستين"، أحد المحامين المختصين في القضايا الصحية ويعمل في "مركز الوقاية من الأمراض ومراقبتها" على مطالبة السلطات بإلغاء القيود المرتبطة بموظفي القطاع الصحي. وهي القيود التي يقول عنها "جوستين" بأنها تكرس التمييز ضد المرضى ولا تشجع على إجراء الفحوصات الضرورية. ولا يرى مسؤولو المركز الفيدرالي، من ناحيتهم، الحاجة إلى تغيير القوانين الحالية، معتبرين أن حالات نقل العدوى من أطباء، أو من الممرضات إلى المرضى تبقى ضعيفة حتى في الحالات التي ثبت فيها وجود فيروس الإيدز لدى الأطباء. وفي هذا السياق تقول الدكتورة "إليز بيلترامي" من "مركز الوقاية من الأمراض ومراقبتها": "إن احتمالات العدوى بعيدة إلى أقصى الحدود، وحتى لو نظرنا إلى الإصابات في الوسط الصحي، فإن الأطباء هم الأكثر عرضة للعدوى". ويرى الدكتور "جاجير" أنه ليس من السهل اكتشاف بعض حالات العدوى، لا سيما أمراض الكبد التي تعتبر أسهل انتقالاً إلى المريض من الإيدز وتتطلب وقتاً طويلا كي تطور. غير أن الدورية الأميركية لمراقبة حالات العدوى نشرت تعليقاً حاداً انتقدت فيه بشدة عمليات رصد تلك الحالات، متحدثة عن "ثغرات مهمة" في تحديد مسؤولية الأطباء والجراحين في نقل العدوى إلى المرضى. وقد وصفت التعهد الذي قطعته الجهات المسؤولة بمراجعة القوانين المرتبطة باستمرار الأطباء في ممارسة المهنة حتى بعد اكتشاف إصابتهم بأنها "هشة وغير فعالة وستخضع لتضارب المصالح الشخصية للعاملين في المجال الصحي". والواقع أن ضعف احتمال نقل العدوى يقلل من فرص إجراء الفحوصات القادرة على كشفها. وما لم يكن للصدفة دور في حالة المرضين السابقين لما طالبا بإجراء التحليلات ولما استطاعت السلطات الصحية اكتشاف الجراح المسؤول. هذا ويصر الخبراء على ضرورة التزام أقصى درجات الحذر من قبل الأطباء والتقيد بمعايير السلامة المعروفة مثل ارتداء القفازات عند سحب الدم، أو ملامسة الإبر. روني كارين رابين كاتب أميركي متخصص في الشؤون الصحية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"