يعتبر انتشار" ضريبة القيمة المضافة" أو"الضريبة على الاستهلاك" أهم التطورات الضريبية التي شهدها العالم خلال الـ50عاماً الأخيرة. فقبل الحرب العالمية الثانية، لم يكن يسمع بهذه الضريبة أحد خارج فرنسا، أما الآن فهي تعد من أهم أنواع الضرائب في العالم، بل إن اعتماد (ضريبة القيمة المضافة)يمثل أحد شروط الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، بينما بلغ مجموع الدول التي تطبّق هذه الضريبة اليوم نحو 140 دولة، ولا يزال عدد الدول التي تعتمد (ضريبة القيمة المضافة) آخذاً في التزايد. إن دولة الإمارات قد تنضم قريباً إلى قائمة الدول التي تعتمد هذا النوع من الضرائب، لأسباب عدة منها، قضية الإيرادات العامة للموازنة الاتحادية وضرورة زيادتها وتنويع مصادرها لمواجهة الزيادة الكبيرة في الطلب على الإنفاق، خلال المرحلة المقبلة، في إطار الاستراتيجية العامة للحكومة، التي ينتظر البدء في تنفيذها، مطلع العام المقبل، كما أن هذا النوع من الضرائب هو أنسب من كل أنواع الضرائب بالنسبة إلى الإمارات من حيث عدالتها وشمولها، فهي تشمل النطاق الأوسع في المجتمع، وهي ليست موجّهة ضد فئة لمصلحة فئة أخرى. عند النظر إليها للوهلة الأولى، فإن هذه الدوافع والمبررات قد تبدو مشجعة على تبنّي (ضريبة القيمة المضافة)، إلا أن نظرة أخرى بعيدة المدى على النتائج التي يمكن أن تترتب على الإقدام على مثل هذه الخطوة تفرض وقفة متأنية حول الآلية والتوقيت، ومدى استعدادات الدولة الإدارية والمحاسبية لتبنّي هذا النوع من الضرائب. إن تبنّي الدولة لـ (ضريبة القيمة المضافة)، وهي ضريبة على الاستهلاك وليس على الإنتاج، في هذا التوقيت تحديداً، وفي ظل عدم وجود سياسة اقتصادية واضحة للتخفيف من حدّة الضغوط التضخمية التي تعانيها الدولة، اليوم، كل ذلك قد يضيف عقبة جديدة أمام حركة الازدهار الاقتصادي التي تنتظم الدولة حالياً. يُضاف إلى ذلك العديد من التعقيدات والمشكلات الفنية، التي قد تصاحب تطبيق (ضريبة القيمة المضافة) بدولة الإمارات، وهي إشكالات تعانيها جميع الدول التي تحاول تطبيقها، بما فيها الدول المتقدمة، إذ أن السمات المميزة لهذه الضريبة تكمن في كونها ضريبة ذات وعاء واسع جداً، وتفرض على مراحل الإنتاج جميعها، مع خصم الضرائب على جميع السلع والخدمات التي استخدمت كمدخلات في عملية الإنتاج، لضمان فرض الضريبة على الاستهلاك النهائي، وتجنّباً لتشويه قرارات الإنتاج. وبهذا المفهوم فإن (ضريبة القيمة المضافة) مكلفة جداً في تطبيقها وإدارتها، ويصعب تنفيذها بصفة عادلة، كما يسهل التهرب منها من خلال طرق متعددة، بما تتسم به من تعقيدات فنية وإدارية عديدة، حتى في الدول المتقدمة التي تتمتع بنظام مالي كفء، وهو النظام الذي تفتقر إليه دولة الإمارات حالياً. كما أن هذا النوع من الضرائب لا يصلح تنفيذه إلا على المستوى الاتحادي للدولة، حيث لا يوجد أي حدود أو قيود على حركة السلع والخدمات بين مختلف الإمارات، لذا فإن نسبة توزيع حصص الإمارات من هذه الضريبة ستواجه مشكلة، كما أن هناك قضية الوكلاء التجاريين الذين يضطلعون بتوريد معظم السلع التجارية في الدولة، وهناك أيضاً إشكالية التجارة الإلكترونية التي تنتشر بوتيرة متسارعة في الإمارات، بالإضافة إلى موقع هذه الضريبة من الاتفاقيات الاقتصادية الخارجية للدولة خاصة مع "دول مجلس التعاون". ولا شك في أن كل هذه العقبات تزيد من تكاليف فرض (ضريبة القيمة المضافة) في الإمارات، بينما تعتمد الإيرادات المالية المنتظرة من تطبيقها على جملة من العوامل، من أهمها معدل الضريبة، وعدد السلع التي ستخضع لقائمة الاستثناءات التي تختلف من دولة لأخرى. ـــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية