ستيفان بيدل


بات الإجماع السياسي الهش من الولايات المتحدة الأميركية حول زيادة عدد القوات في العراق، مهدداً بالانهيار بعد تخلي أعضاء بارزين من الحزب "الجمهوري" في الكونجرس، مثل "ريتشارد لوغر" (عن ولاية إنديانا) و"بيتي دومينيتشي" (عن ولاية نيوميكسيكو) و"جورج فوينوفيتش" (عن ولاية أوهايو)... عن موقف الحزب. غير أن هذه المعارضة المتنامية لزيادة عدد القوات في العراق لم تترجَم بعد إلى موقف منسجم بشكل تام، ذلك أن مشرعين قلائل فقط يبدون ارتياحهم تجاه فكرة مغادرة العراق والاعتراف بالهزيمة. ونتيجة لذلك، ثمة بحث دؤوب اليوم عما يمكن تسميته "المخطط البديل" أو المعتدل سياسياً، والذي يمكن أن يوفّق بين الزيادة والانسحاب.

بيد أن المشكلة تكمن في أن هذه الحسابات السياسية لا تناسب الواقع العسكري للعراق؛ ذلك أنه إذا كان ثمة كثيرون ممن يرغبون في تقليص الالتزام العسكري الأميركي في العراق إلى حوالي نصف القوات الموجودة هناك، فإنه من الصعوبة بمكان إيجاد مهمة معقولة عسكرياً لبقية الجنود الذي سيكون عددهم في هذه الحالة نحو ستين ألفاً أو ثمانين ألف رجل.

ولعل الخيار الوسطي الأكثر شعبية اليوم هو ذاك المنبثق عن توصيات "لجنة بيكر-هاميلتون" في ديسمبر الماضي، والذي يدعو إلى سحب الألوية الأميركية المقاتلة، واختزال المهمة الأميركية في تدريب قوات الأمن العراقية ودعمها، وخفض مجموع الجنود الأميركيين في البلاد بحوالي النصف. إذ تمثل هذه الفكرة قوام الجهود التشريعية المقترحة التي دعمها "دومينيتشي" الأسبوع الماضي؛ على أن دعم هذه الفكرة في تزايد ملحوظ داخل صفوف الكونجرس وبين أعضائه من الحزبين.

والواقع أن الحسابات السياسية تبدو معقولة، غير أن التوافق يتركنا أمام مهمة عسكرية غير ممكنة؛ ذلك أنه بدون جهود قتالية أميركية كبيرة من أجل الحفاظ على مستوى العنف منخفضاً، فإن جهود التدريب الأميركية ستواجه تحديات أصعب وأكبر من تلك التي تواجهها قواتنا اليوم. إذ من شأن جهد تدريبي غير فعال أن يترك عشرات الآلاف من المدرِّبين الأميركيين والمستشارين وقوات الدعم معرضة لهذا العنف. أما النتيجة، فمن المرجح أن تتمثل في استمرار الإنهاك الأميركي، وانعدام أي تأثير إيجابي على الحرب الأهلية الدائرة رحاها في العراق اليوم.

ومما لا شك فيه أن حضور قوات أميركية محاربة في العراق غير كاف لإنهاء العنف، غير أنه يحد من كثافته. ولذلك، فإذا قلصنا حضور القوات المحاربة، فإن العنف سيزداد. ثم إنه سيتعين على المدربين والمستشارين العسكريين الأميركيين أن يعيشوا ويعملوا مع الجنود العراقيين الذين يشرفون عليهم حتى يكونوا فعالين، فهم ليسوا أساتذة يحاضرون في قاعات دراسة آمنة. ونتيجة لذلك، فكلما ازداد العنف، كلما ازدادت خطورة مهامهم وثقلت خسائرهم.

ثم إن هذا العنف سيقلص قدرتهم على النجاح كمدربين، بالنظر للحواجز الكثيرة التي توجد في طريق تشكيل قوة أمنية عراقية فعالة، وفي مقدمتها الحواجز الطائفية. فالعراق دخل حرباً أهلية يجبَر فيها كل عراقي على دعم طرف ما من أجل النجاة بجلده. ولما كانت قوات الأمن العراقية مأخوذة من السكان أنفسهم المنقسمين إلى طوائف وفصائل، فإنه لا يوجد جندي يمكن أن يكون منقطعاً بالكامل عن مجتمعه. وعليه، فكلما كانت حدة أعمال العنف مرتفعة، كلما أصبحت الانقسامات في المجتمع العراقي أعمق وأصبح من الصعب على الأميركيين إنشاء القوة الأمنية العراقية القومية التي تستطيع إرساء الاستقرار في البلاد. ولذلك، فإنه من غير الواقعي، توقع قوة أمن عراقية مرضية قريباً، حتى في أفضل الظروف. فكلما اشتدت حدة العنف، كلما ازدادت الآفاق سوءاً.

أما النتيجة، فهي حلقة مفرغة؛ ذلك أننا كلما نحونا نحو التخلي عن مهمات القتال والاقتصار على التدريب، كلما كانت مهمة المدرب أصعب وأصبح تعرضاً للخطر أكثر. وبالتالي، فمن غير الواقعي التراجع إلى مهمة تدريب آمنة وفعالة في آن واحد بدون قوات قتالية –لأن ذلك لن يكون آمناً ولا فعالاً.

إذا كانت الزيادة في عدد القوات الأميركية بالعراق غير مقبولة، فإن الخيار الأفضل يكمن في الحد من خسائرنا والانسحاب تماماً. ذلك أن الحجج المنطقية التي يشير إليها المدافعون عن الزيادة أو الانسحاب الكامل، أقوى من تلك التي يستند إليها دعاة التوفيق. صحيح أن الزيادة رهان كبير؛ غير أن الخيارات الوسطى تتركنا أمام أسوأ ما في الانسحاب والزيادة: استمرار الإصابات، وحظوظ أقل للاستقرار. والواقع أن الاعتدال والوسطية يمثلان عادة سليقة السياسة الأميركية، كما أن كثيراً من المشرعين من كلا الحزبين يرغبون في إيجاد أرضية وسطى بخصوص العراق. إلا أنه إذا كانت السياسة على صواب، فإن المنطق العسكري يقول بعكس ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

زميل "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"