بحسب تقرير أصدره "البنك الدولي"، أول من أمس، حول "أهمية إدارة الحكم 2007"، حققت الإمارات تحسناً ملحوظاً في مستوى الحكم الرشيد، وجاءت في المرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من حيث مكافحة الفساد ونوعية الأطر التنظيمية والفعالية الحكومية. يأتي ذلك تأكيداً لمعطيات دراسة أخرى أجرتها "منظمة الشفافية الدولية" بشأن معدلات الفساد بالعالم، في إبريل الماضي، حيث احتلت الإمارات المرتبة الأولى عربياً والحادية والثلاثين عالمياً من حيث مكافحة الفساد، والالتزام بمعايير الشفافية الاقتصادية.
إن هذا الواقع المتقدم نسبياً للإمارات، وإن كان مقبولاً على مستوى العالم، فإنه يعدّ متأخراً نسبياً في دولة هي الأسرع نمواً وازدهاراً بالمنطقة، وهي في الوقت نفسه الأسرع تحوّلاً في العديد من المجالات، كما أن ترتيب الإمارات على المستويين العالمي والإقليمي يظهر فجوة كبيرة جداً تعكس عمق الفساد في العالم العربي عموماً، والذي يعدّ ضمن أكثر مناطق الفساد المالي والإداري بالعالم، إذ إن إجمالي حجم الأموال المتداولة في عمليات الفساد بالدول العربية، يقدر بنحو 350 مليار دولار سنوياً طبقاً لتقديرات "البنك الدولي"، وهو ما يعادل 35% تقريباً من مجموع حجم الفساد الاقتصادي على مستوى العالم، والذي يقدر بنحو تريليون دولار سنوياً، ما يلقي ظلالاً من الشك حول قطاعات الاستثمار والإنتاج في الدول العربية، كما يفسر انخفاض نصيب الدول العربية من الاستثمارات الأجنبية إلى أقلّ من 1% خلال السنوات الماضية، حيث أوضح تقرير "منظمة الشفافية العالمية"، أن الأبحاث الشاملة تظهر أن الاستثمارات الأجنبية هي أقلّ نسبة في الدول التي يتفشّى فيها الفساد. ويؤكد هذه الحقيقة أن دولة الإمارات التي تأتي في المرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من حيث مكافحة الفساد، تأتي أيضاً في صدارة دول غرب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجال استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بل إن حجم الاستثمارات الأجنبية التي استقطبتها الإمارات، العام الماضي، والتي بلغت نحو 13 مليار دولار، تعادل 60% تقريباً من مجموع الاستثمارات الأجنبية في جميع الدول الخليجية.
ولعل النهج الاقتصادي لدولة الإمارات، والأخذ بسياسات الانفتاح الاقتصادي بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، يفرضان عليها إرساء مزيد من الشفافية، والمساءلة التي تقضي على ما تبقى من مظاهر الفساد في القطاع العام، والأخذ بالمزيد من سياسات الشفافية والوضوح والمساءلة وتحسين حاكمية الدوائر الحكومية والشركات، التي هي محاور أساسية في عملية التنمية الاقتصادية في أدبيات اقتصاد السوق المعاصرة. إن ممارسات الفساد الإداري بالدولة، وفي ظل سيادة مبدأ الاقتصاد الحر، والتقدم الكبير الذي تحقق في جميع المجالات، تنبع بالدرجة الأولى من قصور ذاتي لدى بعض الأجهزة في فهم حقوقها وواجباتها، ومن تصرفات فردية شاذة عمّا هو متبع، ومن خرق صريح للقوانين والقواعد المعمول بها، لذلك فإن مكافحة هذه الممارسات تتم من خلال النهوض بأجهزة وآليات الرقابة والمحاسبة، كما أن هناك ضرورة لتطوير أنظمة رقابية، لتواكب التطور المستمر في طرق وأساليب الفساد. وإذا كان اهتمام المنظمات الدولية المعنية منصبا حول الفساد والشفافية في الدوائر الحكومية، فإن ذلك لا يعني نزاهة أو شفافية القطاع الخاص، بل ربما يكون الفساد في القطاع الخاص أكبر حجماً وأوسع نطاقاً، كما أن غياب الشفافية هو إحدى السمات البارزة لهذا القطاع الذي تهيمن عليه الشركات العائلية بصفة أساسية، كما أنه من المؤكد أيضاً أن حجم الفساد في هذا القطاع يتزايد مع تزايد حجم النشاط الاقتصادي، وتزايد عدد المشروعات.

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية