يحلل ويوثق هذا الكتاب النفوذ الإسرائيلي المتنامي على السياسات الخارجية الأميركية، والشرق أوسطية منها خصوصاً، نتيجةً للدور الذي يلعبه اللوبي الصهيوني الموالي لإسرائيل وسياساتها داخل الولايات المتحدة الأميركية. ويبدأ الكتاب بإثارة السؤال الرئيسي حول من هو المستفيد الأول والأخير من السياسات الخارجية التي تتبعها واشنطن إزاء الشرق الأوسط. وإذ يناقش تأثير اللوبي الصهيوني، والمكون من جماعات الضغط اليهودية والمتطرفين اليمينيين الموالين لإسرائيل وسياساتها، على السياسات الخارجية الأميركية طوال الحقب والعهود الأميركية المتعاقبة، فإنه يولي اهتماماً خاصاً لتعاظم هذا الدور على نحو ملحوظ، في ظل إدارة بوش الحالية، بحكم تأثير فكر وتوجهات "المحافظين الجدد" عليها. ومعلوم أن للعناصر الموالية لإسرائيل حضوراً كثيفاً في أوساط "المحافظين الجدد". ولذلك فليس من عجب أن دعا كل من "ريتشارد بيرل"، و"دوجلاس فيث" وغيرهما، إلى شن حرب استباقية على العراق، قبل عدة سنوات من وقوع هجمات 11/9/2001، بل وأعطيت الأولوية من قبل هؤلاء، لمهاجمة العراق وضربه عسكرياً، قبل مهاجمة أفغانستان التي انطلقت منها تلك الهجمات العدوانية على أميركا! وعليه فليس مستغرباً أن يربط المؤلف تحليله وتوثيقه لتنامي النفوذ الإسرائيلي في أميركا، بتساؤله عن المسؤولين عن فبركة الذرائع والمبررات التي شنت بموجبها الحرب على العراق. وعلى وجه الدقة والتحديد: من هم وراء تلفيق المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل المنسوبة إلى العراق؟ ومن رسخ فكرة الارتباط المزعوم بين تنظيم "القاعدة" والنظام العراقي السابق؟ بل يذهب المؤلف شوطاً أبعد من ذلك في إثارة هذا النوع من الأسئلة واستنتاجاتها، إلى إثارة الأسئلة العالقة والغامضة حول علاقة إسرائيل بهجمات 11/9 نفسها. وبجرد حسابات الحرب العدوانية على العراق، فإن الطرف الرئيسي المستفيد منها سياسياً وعسكرياً، هو إسرائيل، بالنظر إلى ما أحدثته الحرب من اختلال في التوازن العسكري في المنطقة، نتيجة لتدمير القوة العسكرية العراقية، وبالتالي خدمة المصالح الاستراتيجية العسكرية الأمنية لإسرائيل، وليس المصالح الحيوية الأميركية، كما تتوهم واشنطن. وهكذا أفلح اللوبي الصهيوني في أميركا، في صياغة السياسات الخارجية الأميركية الشرق أوسطية، بما يتفق مع رؤى ومصالح إسرائيل الإقليمية. وليس أدل على هذا النجاح الذي حققته مجموعات الضغط الصهيونية في واشنطن، من تمكنها من بلورة فكرة "الشرق الأوسط الكبير"، كسياسة رسمية لإدارة بوش الحالية، مع العلم أن هذا "الشرق الأوسط الكبير"، ليس شيئاً آخر سوى إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم نوايا الهيمنة الإسرائيلية الأميركية عليها. ومن هنا كان تأثير المناورة السياسية الصهيونية على واشنطن، من زاوية الإيحاء لصناع السياسات والقرارات فيها، بأن الطريق إلى تعزيز المصالح الأميركية في المنطقة، إنما يمر بمعبر ضيق واحد، ألا وهو خدمة المصالح الإسرائيلية أولاً. والشاهد أن هذا الإيحاء ظل نهجاً ثابتاً وتلحظ تأثيراته الواضحة على السياسات الخارجية الأميركية ذات الصلة بالمنطقة الشرق أوسطية، على مر الحقب وتعاقب مختلف الإدارات الأميركية. وبالنتيجة فقد استمر الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي الأميركي لإسرائيل، بينما ترسخت سياسات واشنطن المتحالفة مع تل أبيب، على حساب الطرف الفلسطيني من النزاع. وباستخدامه مصطلحات العلوم السياسية ولغتها، فقد وصف الكاتب ما جرى من توجيه للسياسات الخارجية الأميركية الشرق أوسطية هذه، بأنه إعادة اصطفاف للقوى الممسكة بزمام القيادة والحكم في أميركا، بحيث أصبح الطرف الراجح منها، هو الموالي والمتحالف مع تل أبيب. وانتقد المؤلف ضمن ما انتقده في هذا التحالف الأميركي-الإسرائيلي، إضراره البالغ بصورة الولايات المتحدة عالمياً وإقليمياً، لكونه جردها تماماً من مصداقيتها وسلطتها الأخلاقية المحايدة، التي تمكنها من لعب دور الوسيط النزيه الذي يعتمد عليه في تسوية النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي. وفي حين تتمتع إسرائيل وحدها – وعناصر اللوبي الصهيوني الموالين لها داخل أميركا- بحق التعبير المطلق وقول كل ما يخطر لهم على بال في وصف جيرانهم الفلسطينيين والعرب، فإن الملاحظ أن تهمة "العداء للسامية" سرعان ما تطال كل من يهمس مجرد همس بانتقاد إسرائيل وسياساتها المتبعة إزاء جيرانها الفلسطينيين، بما في ذلك انتقاد جرائم التطهير العرقي التي واصلت ارتكابها بحقهم على امتداد تاريخ احتلالها غير المشروع لأراضيهم وبلادهم! ولا تقف انتقادات المؤلف عند تبيان الدور الصهيوني في شن الحرب الحالية على العراق فحسب، وإنما تطال كذلك تأثير الدور نفسه، في صياغة سياسات إدارة بوش لعراق ما بعد الحرب، بما في ذلك انتقاده لأصابع اللوبي الصهيوني في تبني دولة حرة ديمقراطية مثل الولايات المتحدة لأساليب تعذيب سجناء الحرب على الإرهاب، بما فيها السجون العراقية، مع أنه لا حاجة للقول إن تلك الممارسات تتناقض وأهداف نشر قيم العدالة والحرية والديمقراطية التي شنت من أجلها الحرب أصلاً، إلى جانب تناقضها الصارخ مع القيم والتقاليد الراسخة التي أقرها الدستور الأميركي. وهذه سقطة أخرى مدوية لواشنطن، جراء إطلاق يد اللوبي الصهيوني المدمر لسياساتها وصورتها في أعين العالم كله. ومن رأي المؤلف أنه وإن كان لواشنطن أن تحسِّن صورتها هذه أو أن تستعيد شيئاً من بريقها العالمي الذابل، فإن عليها أن تشرع في غلّ يد هذا اللوبي وكبح جماحه وتطرفه. ولا بد لواشنطن أن تحتفظ لنفسها بمسافة ثابتة ومتكافئة من طرفي النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، إن كان لها أن تلعب دور الوسيط النزيه، الهادف للوصول إلى تسوية سلمية للنزاع بينهما. عبد الجبار عبدالله الكتاب: النفوذ الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأميركية المؤلف: جيمس بتراس الناشر: دار "تشاريتي" للطباعة والنشر تاريخ النشر: 2007