تقول "آن فيلبس" أستاذة العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في لندن، مؤلفة كتاب"التعددية الثقافية من دون ثقافة" والذي نعرضه في هذه المساحة، إن اتجاه الرأي العام قد تغير خلال السنوات الأخيرة بشأن ما يعرف بالتعددية الثقافية، وهو ما يرجع في جانب كبير منه -حسب تقديرها- إلى الخوف من الإسلام الراديكالي؛ سواء كان هذا الخوف حقيقياً أو متوهماً. وهي ترى أن النقاد يسيئون تعريف الثقافة عندما يعتبرون أنها المرجع الذي يمكن الاستناد إليه لتفسير كل ما يقوله أو يقوم به أفراد الأقليات أو الجماعات المهاجرة التي تعيش في الغرب. وهي تحاول في هذا الكتاب تقديم التعددية السياسية بشكل آخر عندما تفصل بينها وبين الأفكار والتصورات الخاصة بالثقافة، وتجعل الفرد بدلاً من ذلك هو جوهر ظاهرة التعددية الثقافية. من المعروف أن هناك اتهامات عديدة وجهتها جهات غربية ذات منطلقات فكرية مختلفة ضد سياسة التعددية الثقافية وخصوصاً تلك التي تتبعها دولة مثل بريطانيا، حيث رأوا أن تلك السياسة تشجع على قهر المرأة وتعمل على تهميشها، عندما تقرر أن تترك مسألة تنظيم الزواج لكل جالية من الجاليات كي تديره على النحو الذي يتفق مع ما كان أفراد تلك الجالية يطبقونه عندما كانوا يعيشون في أوطانهم الأصلية... ومنها على سبيل المثال أنها تشجع على قهر المرأة عندما لا تفعل شيئاً وتغض الطرف عن موضوع الزواج المدبر أي إجبار الفتاة المسلمة على الزواج بأحد أقاربها، كما تغض الطرف عندما يتم تعريضها لمعاناة علمية الختان الوحشية. وتؤكد المؤلفة أن العديد من هؤلاء النقاد من أصحاب النوايا السيئة، ومن المصابين بالخوف المرضي من الأجانب، أو من أصحاب الأجندات القومية المتطرفة... يستغلون موضوع التمييز بين الرجل والمرأة، كوسيلة للتراجع عن سياسة التعددية الثقافية التي ترى أنها السياسة الأصلح لمجتمع متعدد العرقيات والأديان مثل المجتمع البريطاني. والمؤلفة تدافع بالطبع عن مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، وتستنكر أي مظهر من مظاهر التفرقة ضد المرأة، وهي تستخدم في ذلك وثائق وكتابات، وتوظف العلوم السياسية والفلسفة ونظرية حرية المرأة ووثائق حركة تحرير المرأة منذ بداياتها وحتى الآن وكذلك القانون والانثروبولوجيا... لتتوصل من خلال كل ذلك إلى أن خصوم التعددية الثقافية وأنصارها على حد سواء، يبالغون فيما يتعلق بموضوع تميز الثقافات وانفصالها، خاصة حين يصورون الرجل والمرأة على أنهما كائنان منفصلان، يتم تحديد أوضاعهما في المجتمع حسب المعتقدات والتقاليد والأعراف السائدة، أكثر مما يتم تحديدها بناء على أي معايير ثقافية. وتقول المؤلفة إن خصوم التعددية الثقافية قد يعتقدون أن حججهم ضد التعددية الثقافية، ربما تكون قد ضمنت لهم الفوز على خصومهم من دعاة التعددية الثقافية... لكنهم على خطأ في ذلك. وتعتقد المؤلفة أن التعددية الثقافية لا زالت قادرة على لعب دور في غاية الأهمية، قد يغيب عن أذهان بعضهم وهو دورها في تحقيق درجة أكبر من المساواة الاجتماعية بين قطاعات الشعب. وللتدليل على صواب وجهة نظرها فإن المؤلفة تقدم للقراء ما تصفه بأنه طريقة جديدة لمعالجة إشكاليات العدالة والمساواة في مجتمع متعدد العرقيات والثقافات، خصوصا في الوقت الراهن الذي تتأهب فيه العديد من الدول الغربية للتخلي عن خيار التعددية الثقافية بسبب العلاقات المتوترة بين حكومات تلك الدول وبين الجاليات عامة، أو بينها وبين قطاع من تلك الجاليات، وهو ذلك الذي رأت تلك الحكومات أنه يحاول نقل طرائق العيش التي كان يمارسها في بلدانه الأصلية. وترى الكاتبة أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما تلاها، قد ساهمت في توتير تلك العلاقات، وأن ذلك بدا في كثير من الاحتجاجات والتظاهرات التي نظمها شباب من الجاليات التي تعيش في تلك البلدان، ومنها على سبيل المثال الاضطرابات التي اندلعت في بريطانيا عام 2004 والتي قام بها في الأساس شباب من أصول آسيوية في مدن مثل "بيرنلي" و"أولدهام" و"برادفورد". إثر تلك الاضطرابات، تم تشكيل لجنة تحقيق كانت المحصلة التي توصلت إليها إرهاصاً بالتغير الذي طال وجهة نظر المؤسسة الرسمية البريطانية، تجاه موضوع التعددية الثقافية. فرغم أن اللجنة أعادت التأكيد على طبيعة المجتمع البريطاني كمجتمع متعدد الثقافات، فإنها لم تستطع في التقرير الذي نشرته أن تخفي قلقها من تنامي ظاهرة المجتمعات الثقافية المصغرة، وهي تلك المجتمعات التي تنتمي إلى عرقيات معينة، والتي تختار الانكفاء على نفسها، وتصر على عدم المشاركة في الجهد العام، وعلى إنشاء شبكات خدمات خاصة تقدم خدماتها لأبناء تلك الجاليات فقط من دون غيرهم. في ختام هذا العرض يمكن القول إن هذا الكتاب يعتبر من أفضل الكتب التي ناقشت موضوع التعددية الثقافية، حيث عبر عن الحيرة التي تنتاب المؤسسات الديمقراطية الليبرالية بصدد تلك الظاهرة علاوة على أنه يقدم صورة أكثر واقعية ووضوحا عن مدى وأهمية الاختلافات الثقافية التي يجب مراعاتها، والتي لا يجب النظر إليها على أنه شيء حتمي ومزروع في بنية الثقافة، كما لا يجب أن تتخذ كذريعة لصرف النظر كليا عن سياسات التعددية الثقافية، كما يذهب إلى ذلك بعض الساسة في الغرب! سعيد كامل الكتاب: التعددية الثقافية من دون ثقافة المؤلف: آن فيليبس دار النشر: برينستون يونيفرستي برس تاريخ النشر: 2007