قبل حوالي ثلاثة أعوام قامت الإذاعة البريطانية بغزو قطاع غزة عبر مقاتلها "ألان جونستون" وتصدت جماعة "جيش الإسلام" بمجاهديها لهذا الهجوم المباغت من قبل ذلك الجندي المعتدي على دويلة الإسلام في غزة، وبعد معركة حامية دامت لسنوات، استطاع مجاهدو ذلك الجيش اختطاف "ألان" وإلحاق الهزيمة به واقتياده أسيراً إلى مكان لا تعرف الشمس له سبيلاً، هذا وقد دامت مدة أسره قرابة أربعة أشهر حتى وقعت المفاجأة غير المتوقعة من القوات الإسلامية الجديدة التابعة لدولة "حماس" في غزة، عبر صفقة سياسية دبرت بليل واتبعت بفتوى من شيخ الإسلام في "جيش الإسلام" بجواز إطلاق سراحه وفقاً للشريعة الإسلامية الغراء التي تناسب الأسير البريطاني. وهكذا استطاعت "حماس" إنهاء أزمة الأسير الصحفي الذي خدم القضية الفلسطينية، ومع ذلك ظل الواقع الفلسطيني ومجريات الأحداث خارج دائرة الإسلام الذي أدى إلى تفريج كربة الأجنبي مع بقاء الكربة الفلسطينية ضيقة للغاية وصعبة على الانفراج. لقد أكدت نتائج استطلاع "وجهات نظر" (الاتحاد) أثناء طرحها هذه القضية على الجمهور الذي أبدى رأياً مؤيداً للصفقة التي أبرمت بإطلاق سراح "ألان"، وبنسبة قاربت 60% من إجمالي الأصوات التي ذهبت 30% منها لقناعة فلسطينية بحماية الصحفيين و10% لصالح الضغوط الخارجية و0% لمقايضة أسرى فلسطينيين لدى إسرائيل. وبالنزول إلى الواقع الذي حكم العملية برمتها والتي شابتها تساؤلات أكبر حول الصفقات السياسية التي تجري من وراء الكواليس، وهي حول المعايير التي أدت إلى إطلاق سراح الصحفي البريطاني الذي لم يؤثر في مبادئ السياسة الخارجية لبريطانيا والتي أكد "جوردن براون" على أنها لم تتأثر ومعها الاتحاد الأوروبي بهذا الحدث الذي فرح له العالم أجمع. إلا أن الموقف السياسي لا يتغير بمثل هذه القضايا الفردية لأن مفهوم "الأسر" الذي ساد وسط المختطفين مرفوض جملة وتفصيلاً وهو بحاجة إلى مراجعة فكرية لدى التيارات الدينية التي تنظر إلى العالم من حولها بعين البعوضة بدل أن توسع من حدقتها لكي ترى كيف يجب التعامل مع الآخرين بإسلام لا يخل بالأمن العالمي. وفي حوار إعلامي آخر سئل أحد مقدمي البرامج الخاصة بهذه المناسبة، وكانت سيدة فلسطينية على الخط تشتكي أسر زوجها لدى تلك الفئة التي قامت بأسر "ألان"، ولم تسع فتواها زوجها حيث ظل الفلسطيني أسيراً لدى الفلسطيني وفق رؤية تلك الجماعة التي تفصل قضاياها بما يتناسب مع ضرورات الصفقات السياسية المجهولة. ما المانع من عقد تلك الصفقات بين أطراف النزاع الفلسطيني لحل هذه العقدة في الوقت الذي بدأت إسرائيل بالشروع لإطلاق عدد من أسرى "فتح"؟ وبأي مبدأ يتعامل الفلسطينيون فيما بينهم وفي الإطار نفسه يستعد (العدو المشترك) إن صح التعبير لمد يد التفاوض عبر رسول السلام العالمي (بلير)، في لفتة سياسية تقصم ظهر المبادئ والأخلاق الإسلامية التي يتذرع بها بعضهم عندما يلوح في الأفق طرف "أجنبي" وتغط تلك المبادئ في نوم عميق بين الأخوة الأعداء الذين لا يعترفون بأدق خيوط الأخلاق العامة والتي تحكم البشرية كافة من قبل بعثة الرسل ونزول الرسالات السماوية. إننا أمام مشهد كارثي لا يمكن تقبله من الناحية المبدئية، فكيف إذا تطورت الأمور باسم الإسلام السياسي الذي يراد له حكم العالم من منطلق الغزو والأسر والجهاد والقتال ونحر الأعداء وذبح الأقرباء وإضفاء أو إسباغ تلك المفاهيم المغلوطة التي يراد لها الترويج المقلوب ضد الإنسانية التي يجب أن تكون جزءاً ملازماً للإسلام الحقيقي الذي يتسع لكل شرائح المجتمع البشري..؟!