من المنتظر أن يعقد مجلس الوزراء، برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، اجتماعاً موسعاً خلال اليوم وغداً، لمناقشة الخطط الاستراتيجية للوزارات التي تم تطويرها وفقاً للإطار الزمني المتفق عليه في ضوء مقررات استراتيجية حكومة دولة الإمارات، والتي تم إطلاقها في إبريل الماضي، بغية تطوير الأداء الحكومي بالقطاعات كافة، ورفع مستوى التنسيق بين الوزارات وصولاً إلى الهدف الأسمى، وهو تحقيق التنمية المستدامة والمتوازنة، وضمان مستويات حياة رفيعة للمواطنين. يأتي هذا الاجتماع بعد أن قامت الوزارات الاتحادية برفع خططها الاستراتيجية للأعوام الثلاثة المقبلة، بالإضافة إلى خططها التشغيلية للعام المقبل إلى رئاسة مجلس الوزراء، كما قامت الهيئات الاتحادية الأخرى برفع خططها التشغيلية للعام المقبل، متضمنة البرامج والمبادرات التي ستقوم بها تلك الهيئات لتنفيذ توصيات استراتيجية الحكومة الاتحادية. ولا شك أن هذا التحرك الجماعي للوزارات والدوائر الحكومية من خلال خطط عمل واضحة متسقة فيما بينها، ومتوائمة مع الاستراتيجية العامة للحكومة، يشكل نقطة تحوّل كبرى في منهجية عمل الحكومة الاتحادية، خلال المرحلة المقبلة. إن هذا التحوّل الذي ينتظر أن يدخل حيّز التنفيذ العملي، مطلع العام المقبل، لن يكون بالأمر اليسير، ولن يكون إنجازه فسحة مريحة، بل هناك كثير من المتاعب المتوقعة، بعد أن ظلت الحكومة الاتحادية تعاني، طيلة الحقب الماضية، غياب التخطيط في كثير من جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية بالدولة، بداية بالاقتصاد القومي والتعليم والصحة والعمل والتعمير والبنية التحتية والمرور وغيرها، وجميعها قطاعات تعاني معضلات صعبة مردّها الأساسي غياب التخطيط، رغم أن جميع الوزارات الاتحادية تضم إدارات تُعنى بشؤون التخطيط بطريقة أو بأخرى. إنّ تفكيك أعمدة الاقتصاد الريعي وقواعده بعد مرور ما يزيد على ثلاثة عقود من اعتماده بالدولة، لن يكون بالأمر اليسير، وهو يتطلب مواجهة الثقافة المجتمعية التي أفرزها على مدى هذه الفترة الطويلة، كما يتطلب مواجهات جريئة من السلطات من أجل تهيئة التحوّل إلى اقتصاد مختلف، يبتعد قدر الإمكان عن خصائص الاقتصاد الريعي، ويخفّف، على الأقل، من التكاليف الباهظة التي تتحملها الدولة. وليس من المتوقع، بطبيعة الحال، أن يُنجز هذا التحوّل الشامل في منهجية عمل الحكومة الاتحادية خلال عام أو عامين، ولكن يمكن اعتماد سياسات ملائمة للتحرر من التبعات الاجتماعية وغير المجدية على أسس متدرّجة. وإذا كان هذا التحوّل الكبير تتطلبه جميع قطاعات الحكومة الاتحادية، بلا استثناء، فإن هناك بلا شك جملة من الأولويات الاتحادية التي يجب أن تلقى عناية أكبر بالمرحلة المقبلة. فهناك العديد من التحديات التي تجابه الدولة على المستوى الوطني، اليوم، وفي جميع المجالات، وأن أيا منها يعدّ بمنزلة عنق الزجاجة، ويمثل مرحلة حرجة من عمليات بناء الدولة. فالهوية الوطنية تعاني مشكلة تتعمق باستمرار، وهياكل السلطة الاتحادية تعاني ضعفاً عاماً في كثير من جوانبها، والاقتصاد يعاني أزمات داخلية خطيرة أصبحت تشكّل حلقات مفرغة يصعب الخروج منها، من قبيل البطالة والتضخم، والتعليم يعاني خللاً متعدد الوجوه، والخدمات الصحية تعاني أزمة جودة، والقطاعات الاجتماعية تعاني أمراضاً مستعصية، وغير ذلك من التحديات التي تشوّه صورة السياسة العامة بالدولة، وتتطلب معالجات جذرية وشاملة بوصفها أولويات في مسيرة عمل الحكومة الاتحادية خلال المرحلة المقبلة. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية