لا نعلم على وجه التحديد ماذا يريد المتشددون الإسلاميون في باكستان! وهل احتجاز الأطفال والنساء – من دون إرادتهم– من أعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ كما يعلن المشروع "التخلفي" لهذه الجماعة! بل لماذا يتم إدخال السلاح إلى بيت الله؛ وهو مكان يفترض أن يكون آمناً وللعبادة وحدها؟! أسئلة كثيرة نحاول طرحها من أجل رفع الغشاوة عن أعين الذين يستترون وراء الدين ويقومون بأعمال تتنافى مع روح الإسلام، ويجب أن تصل عقوبتها إلى الإعدام وليس السجن فقط. فلقد تناقلت وكالات الأنباء أن أكثر من 5 آلاف طالب و4 آلاف طالبة (تتراوح أعمارهم بين عشرة أعوام وعشرين عاماً)، يتلقون دروساً في المدرسة القرآنية التابعة للمسجد، وأن مسؤول المسجد يؤكد أن "لديهم ما يكفي من المؤونة إلى ما شاء الله"، وكأن احتجازهم للأطفال والنساء من أعمال "الخروج "أو الدخول إلى الجنة! بالله عليكم، كيف نعلم هؤلاء الشبان والشابات ثقافة التسامح والعدل والإخاء ومساواة البشر –التي حفل بها القرآن الكريم– ثم نحتجزهم في مسجد بين أفواه البنادق والقنابل الحارقة؟! ثم ما ذنب المدنيين الصينيين والباكستانيين الذين تم خطفهم خلال حملة "النهي عن المنكر" في يونيو الماضي؟! وأين العدالة الإسلامية في تبرير سلوك الخط غير الإنساني؟! وهل سينصّب هؤلاء المتشددون أنفسهم أولياء أو "وكلاء" للخالق سبحانه ويقومون بتعقب الناس والتدخل في أساليب حياتهم، كما يحدث في بلدان إسلامية أخرى ظلت تعاني من "جور" هذه الجماعة وصلفها وعنفها الذي طال الشبان والشابات في الأماكن العامة؛ حتى "امتعضت" منهم الحكومة وبدأت في محاكمتهم؟! ورغم أننا لا نريد تصديق كل بيانات الحكومة الباكستانية –من حيث الجهة المتسببة في إطلاق النار – ولا بيانات المحتلين للمسجد، إلا أن استخدام اسم الإسلام بهذه الصورة يسيء لجميع المسلمين في العالم، ويجهض كل المحاولات التي تقوم بها الدول الإسلامية والعربية لـ"تحسين" صورتها لدى الرأي العام العالمي. خصوصاً وأن المسجد الأحمر يحوي فلولاً من جماعة "طالبان" المدحورة والتي كانت تخطط للعودة بالعالم الإسلامي 16 قرناً إلى الوراء وتنشئ دار الخلافة، وتصادر كل أسباب الرقي والحضارة في العالم. كما أن هذا النوع البشري يؤمن إيماناً كاملاً بالعنف والقسوة ويمجّد الاعتداء على كل من يخالفه الرأي. وهذه كلها ليست من صفات المسلم الحق. وأنا أجزم بأن العديد من الشعوب الإسلامية لم تفهم الإسلام فهماً صحيحاً، واعتمدت على ترجمات للقرآن، والقصص التراثية المصاحبة للدعوة وما بعدها، كما أنها لا تدرك معاني وضرورات الجهاد، بل ولم تلتفت إلى آيات القرآن الداعية للحوار والتشاور والجدال بالتي هي أحسن. إضافة إلى الآيات التي تحّرم قتل المسلم لأخيه المسلم وقتل النفس التي حرّم الله. فكيف نثق في هؤلاء عندما يزرعون ثقافة الموت والقتل في نفوس الطلبة والطالبات، وما هو فكر الجيل الجديد الذي ينشأ في باكستان؟ بل أين هؤلاء الجهلة من معاني الإسلام؟ صحيح أنهم يركعون ويسجدون، لكنهم لا يفقهون المعاني الجميلة التي يؤدي إليها ذلك الركوع وذاك السجود! ناهيك عن الجهل الثقافي والخلفيات الرجعية التي تحيط بتلك الجماعات. وهو سبب رئيسي في اعتناقهم مبدأ العنف، بحيث يصبح قتل امرأة لديهم مثل ذبح دجاجة! وإذا كان هدف هؤلاء المتطرفين الذين يحتلون المسجد، ويوقفون الصلاة والتعبّد فيه، أن توقف باكستان تصديها للإرهاب، أو التعاون مع المجتمع الدولي من أجل ملاحقة فلول "طالبان" وغيرهم من الجماعات التي تبث الرعب في العالم وتتخذ من معاداة الولايات المتحدة شعاراً يبرر كل أعمالها التخريبية، فإن المجتمع الدولي بأسره قد أكد عزمه على التصدي لظاهرة الإرهاب التي تنمو وتترعرع في آسيا هذه الأيام وتنشر الرعب في بقية أنحاء العالم. ولقد نجحت الحكومة الباكستانية في توجيه ضربة قاصمة للمتشددين الإرهابيين بعد إلقاء القبض على قائد الجماعة الذي تخفى في زي امرأة –من الجبن والخوف– محاولاً الهروب من المسجد. فيما استسلم أكثر من 700 من المتحصنين. المهم في القضية أن المتاجرة باسم الإسلام، ليست في صالح الإسلام. وهاهي دول العالم تزيد من إجراءاتها ضد المسلمين والعرب في المطارات وفي إصدار التأشيرات، سواء للطلبة أو المرضى أو السياح! وهاهو المجتمع الدولي يدعم محاصرة المتطرفين، وقد نجح في كشف العديد من خلاياهم في لندن وباكستان واليمن ولبنان. فأي فكر متطرف وشاذ وجاهل هذا الذي يحاول أن يحكم العالم! بل ويتسبب في إيذاء الطلبة ورجال الأعمال والسائحين من المسلمين والعرب في أوروبا وأميركا! بل كيف يدافع المسلمون – من سكان تلك البلدان – عن الإسلام وهم يشاهدون على الشاشات الدروع البشرية الواقفة رغما عنها أمام الكاميرات، أو الأجانب المطوقين بالأحزمة الناسفة يترجون خاطفيهم إطلاق سراحهم من أيدي الغوغاء الذين لا هدف لهم ولا قضية سوى بث ثقافة الموت والرعب في نفوس البشر! ونحن إذ "نتأذى" من المراقبة الدقيقة في المطارات الأوروبية والأميركية، بسبب أعمال الإرهابيين المغفلين، وهم يرتعون بين حليب الشياه والدخول على الفتيات القاصرات ومضغ المواد المخدرة؛ لنرجو من رجال الأمن في بلداننا العربية أن يزيدوا من اليقظة والتدقيق على كل الأشكال التي تحمل ثقافة الموت في عقولها، وأدوات القتل بين أمتعتها. كما ندعو وسائل الإعلام العربية إلى التصدي لمثل هذه الاتجاهات المتطرفة وكشفها. لأن صورة الإسلام والعرب أصبحت مشوهة جداً. وللعلم فالمجتمع الأوروبي والأميركي لا يفرق بين العربي والآسيوي. إن صورة الإرهاب الجديدة التي تؤمن باقتحام دور العبادة واحتجاز النساء والأطفال وإرهابهم تحت تهديد السلاح، أو حتى إغرائهم بالفوز بالجنة –وحور العين– كما فعل آخرون في إيران والعراق، ليست من أعمال الإسلام أو فضائله. كما أن تشويه صورة العرب على هذا النحو -زيادة عما هي عليه من تشوه– بدءاً من الحرب العراقية الإيرانية، وحرب الكويت، و11 سبتمبر، وحتى القتل في اليمن، واختطاف الأجانب في السعودية، وحتى اقتتال الأخوة المناضلين من أجل تحرير بلدهم في فلسطين، وقتل أفراد الجيش اللبناني على أيدي " فتح الإسلام"... كل تلك الصور بعيدة عن روح الإسلام وعن صفات العربي. لكنهم بكل غوغائية وحب للدم والالتحاق "الجاهلي" للإسلام، قد شوهوا الصورة أكثر، وجمعوا التقريع العالمي والكراهية ضدنا، وجعلونا حفنة لا تحب إلا القتل, ولا تتقن إلا حرب الأخوة والأصدقاء، بينما العدو يحتل الأراضي ويعيث فساداً في الأرض، وهم من خلف النساء والأطفال يصدرون البيانات الملونة ويشاركون في معركة تحرير القدس عبر المايكروفونات.