"الحماس" الذي اعتبر أبرز سمات حملة الانتخابات النصفية للمجلس الوطني الاتحادي، كان يمثل قيمة معنوية كبيرة، راهن عليها الكثيرون من أبناء الدولة والمراقبين للعملية الانتخابية من أجل تطوير العمل البرلماني وتفعيل النقاشات داخل المجلس؛ باعتبار أن "الحماس" سيولد قوة دفع هائلة لتطوير التجربة الانتخابية وتوسيع صلاحيات المجلس. الحديث عن "الحماس" الذي كان قاسماً مشتركاً بين معظم المرشحين كان مبشراً ولافتاً ويغذي التفاؤل بدورة تشريعية مختلفة وربما ضاعفته أجواء التصريحات التي أعقبت نجاح الأعضاء المنتخبين فضلاً عن تصريحات زملائهم ممن تم تعيينهم. والآن بعد انتهاء دور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي الرابع عشر للمجلس كان، لافتاً بل وغريباً أن ذلك الحماس قد تراجع وبات من الصعب أن يتحدث المراقب عن مستوى ولو أدنى من الحماس لدى الأعضاء، أو غالبيتهم، خلال النقاشات التي دارت والجلسات التي عقدت حتى الآن! لا يمكن للمراقب الذي تابع الحملات الانتخابية وتابع مناقشات وجلسات المجلس، أن يشعر بأن الأعضاء هم هؤلاء أنفسهم من أطلقوا شعارات ووعوداً ورديةً وروجوا برامج انتخابية تتعامل مع كل إشكاليات المجتمع، ولكن ما يحدث الآن تحت "القبة الزرقاء"، أن هناك غياباً لأي صدى لهذه البرامج والشعارات، بل إن المراقب لا يستطيع أن يميز المنتخبين أو المعينين باعتبار أن الكثيرين توقعوا أن يكون العضو المنتخب أكثر نشاطاً وتميزاً في الأداء والتفاعل البرلماني مقارنة بزملائه المعينين. أجد الوقت مناسباً، كي أسجل تلك الملاحظة بكل صراحة ووضوح، لأننا لا زلنا في الدور التشريعي الأول، أي في بداية المشوار البرلماني. إذا ما أردنا الحقيقة لتوضيح مدى خطورة هذا التراجع في حماس الأعضاء، نوضح أن تلك الظاهرة لم تقف عند حدود مناقشة القضايا القانونية أو القضايا المتخصصة، إذا صح التعبير، بل شمل حتى القضايا العامة، ولم يتوقف تراجع الحماس عند حدود المشاركة بالرأي بل وصل حتى إلى تأخر اللجان في دراسة الكثير من مشروعات القوانين وإعداد التقارير للعرض على المجلس، والتأخر في إصدار توصيات حول موضوع بالغ الحيوية مثل موضوع التعليم. واللافت أن التأخر كان قد بلغ مدى دفع وزير الدولة لشؤون المجلس الوطني، الدكتور أنور قرقاش، لأن يذكر الأعضاء بأهمية رفع التقارير المتأخرة لأن موسم الإجازات قريب، وفي جلسة أخرى ذكّر رئيس المجلس الوطني الأعضاء بأن الاستمتاع بالإجازة يتطلب إنهاء التكليفات، ما دفعه إلى ضغط الجلسات المتبقية في محاولة لإنهاء الأعمال المتأخرة. فوق هذه المؤشرات هناك علامات ثانوية يمكن ملاحظتها وتؤكد هي الأخرى أن الحماس غائب والتفاعل مفقود لدى كثير من الأعضاء، فهناك عدم انتباه بعض الأعضاء لنقاشات المجلس والانشغال بأمور جانبية مثل استخدام "اللاب توب" أو تصفح الموبايل أو التنقل بين الكراسي والحديث مع الزملاء... وهي مشاهد متكررة ذات مغزى يدركه كل من يتابع الجلسات. نعلم أن ترجمة الوعود والبرامج التي طرحها المرشحون خلال الانتخابات إلى واقع، مرهونة أو مقيدة بصلاحيات المجلس ولوائحه الداخلية والأطر الدستورية التي تحصر دور المجلس وصلاحيته خلال المرحلة الراهنة ضمن هامش معين، ولكن بصراحة هناك موضوعات تهم المجتمع بأكمله وتثور النقاشات حولها تحت القبة، مثل موضوع التربية والتعليم وغير ذلك، لكن النقاش حولها لم يرتق إلى مستوى المعاناة المجتمعية ولم ينقل نبض الشارع بدرجة منهجية منظمة إلى قاعة المجلس. من المهم التنبه إلي خطورة تأثير ذلك التراجع على المتابعين من جميع فئات الشعب، وخاصة الشباب، لجلسات المجلس بل وعلى الطموح نحو توسيع المشاركة السياسية وزيادة صلاحيات المجلس.