جمعتني مائدة العشاء مؤخراً مع بعض الأصدقاء في مدينة لندن وأخذنا النقاش إلى الحديث عن مسألة الاحترار الأرضي، وهل يُبذَل ما يكفي من الجهد لمعالجة هذه الظاهرة وإيجاد حلول لها؟ وأثناء الحديث انتقد أحد الضيوف هو "سامح الشحات" الذي يعمل مصمماً للأثاث، تلك البرامج التي تمكن الناس من تعويض إفراطهم في إنتاج غاز ثاني أوكسيد الكربون من خلال تمويل مشاريع خضراء في أماكن بعيدة. وقد تساءل الضيف في غضب: "من يراقب فعلاً ما يجري في تلك البرامج، وما الفائدة الحقيقية المرتجاة منها؟"، لكنه فجأة اجترح فكرة مبتكرة وذكية: إذا كان الناس فعلاً حريصين على توفير الأموال الضرورية لغرس الأشجار وتمويل الطاقة الخضراء للتعويض عما يتسببون فيه من أذى للأرض والبيئة، فلماذا لا ندفعهم إلى التكفير عن ذنوبهم الحقيقية، وليس فقط التعويض عن الإفراط في استهلاك غاز ثاني أوكسيد الكربون. وهكذا شرعنا في اللعب بالفكرة وفي إمكانية استبدال الوصايا العشر التي ينص عليها الكتاب المقدس، بأمور أخرى. فتخيلوا مثلاً وجود موقع إلكتروني سأسميه ""GreenSinai.com يقدم خدمة جليلة لمن يريد. فكلما تبين لك أنك انتهكت إحدى الوصايا العشر، أو أنك راغب في انتهاك واحدة منها لكنك لا تريد مخافة الشعور بالذنب، فكل ما عليك هو شراء بولصة الكربون للتكفير عن ذنبك. وإذا كان الشعار الذي يرفعه "حزب المحافظين" البريطاني هو "صوِّتْ للأزرق تكن أخضر"، فإن الشعار الذي سيحتكره الموقع الإلكتروني هو "كفر عن ذنوبك باختيارك الأخضر". وسيؤدي ذلك إلى جمع بعض المال من خلال الطريقة التالية: تخيل أنك في أحد الأيام، بينما تشذب العشب في حديقة منزلك، وجدت نفسك منجذباً إلى زوجة جارك، وهو أمر يحدث على أي حال وقد لا تنفع معه وصية الغض من الطرف. لكن مع ""GreenSinai.com لا توجد مشكلة، بحيث يمكنك شراء 100 شجرة في منطقة الأمازون مثلاً، أو تمويل مشروع لاستخراج غاز الميثان من مخلفات البقر في الهند، وهكذا تتخلص من ذنوبك وتكفر عنها. وبالطبع سيكون هناك سلم لاحتساب الذنوب وطريقة التكفير عنها. فالاستهانة باسم الجلالة مثلاً، أو صنع صنم قد يكلفك تمويل بضعة سخانات للمياه تعتمد على الطاقة الشمسية في القرى الصينية، بينما الإدلاء بشهادة الزور، أو ارتكاب ذنب السرقة قد يكلفك تمويل محطة لإنتاج الإيثانول من قصب السكر في ولاية "لويزيانا" الأميركية. أما فيما يتعلق بخطيئة الزنى، وهو الذنب الذي سيأتي بمال وفير، فأعتقد بأننا سنتمكن من الوصول إلى عالم خالٍ من غاز ثاني أوكسيد الكربون في أفق 2020 إذا ما أقمنا نظاماً يسمح للناس بالتكفير عن خطيئة الزنى من خلال تمويل محطات عملاقة تعمل بالرياح، أو الأشعة الشمسية لإنتاج الطاقة في الصين والهند، أو بوقف عملية نزع الأشجار في الغابات المطرية والاستوائية. وإذ أتناول موضوع بدائل غاز ثاني أوكسيد الكربون بهذا الأسلوب الساخر، فلأنه أصبح حاضراً بقوة كلما أثير الحديث عن مشكلة الاحترار الأرضي والطرق الكفيلة بمحاربته. فالكل يطمح للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، لكن دون أن يكون مستعداً لتقديم بعض التضحيات. ولا يعني ذلك أن بدائل الكربون هي من دون جدوى، فقد قمت أنا وعائلتي بشراء تلك البدائل التي تساعد على الأقل في توجيه الموارد الأساسية للاستثمار في التكنولوجيات النظيفة، ومن ثم تدفع باتجاه ابتكار وسائل جديدة قادرة على التعامل مع ظاهرة الاحترار الأرضي. ومع ذلك تبقى الخطورة، حسب "مايكل سانديل" الفيلسوف السياسي البارز من جامعة "هارفارد"، هي أن تتحول بدائل الكربون إلى "آلية سهلة للتعويض عما هو أكثر أهمية متمثلاً في تغيير عاداتنا ومواقفنا ومراجعة أنماطنا الحياتية المعنية أكثر من غيرها بمشكلة الاحترار الأرضي". ويضيف "سانديل" قائلاً: "إذا كان شخص ما يقود سيارة كبيرة وفي نفس الوقت يشتري بدائل الكربون لإراحة ضميره من التأنيب، فلا شك أن ذلك أفضل من قيادة السيارة من دون القيام بشيء، لكن الوضع سيكون أفضل لو اختار الشخص سيارة مهجنة. فالمشكلة مع بدائل الكربون أنها تسبغ الاحترام على السيارات الكبيرة وتجعل من استخدامها أمراً مقبولاً. والنتيجة أنها تصرف انتباهنا كأمة عن التغييرات الأهم والضرورية في سياستنا لاستهلاك الطاقة". وغالباً ما يشير الناس إلى الضجة الدائرة حول التغيير المناخي باعتبارها "ثورة خضراء"، لكن أية ثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة لا بد أن تحيل إلى إحداث قطيعة أساسية مع العادات السابقة، فضلاً عن مراجعة المواقف والسياسات العامة المصاحبة لها. والواقع أنه عندما يقترح أحدهم فرض ضريبة على انبعاث الكربون، أو استهلاك البنزين -وهي المبادرات الكفيلة بتوفير الموارد وتغيير العادات بما يسمح بالتأثير الفعلي على الاحترار الأرضي- فإن أول ما ينطق به الكونجرس هو: "مستحيل لا يمكن الحديث عن أية ضرائب"! لذا ليس ثمة إلى حد الآن تطبيق فعلي لمعنى الثورة التي تتطلب بذل التضحيات. وفي هذا الصدد كتبت "كاشرين إليسون" مقالاً رائعاً حول الموضوع بالموقع الإلكتروني "Salon.com" استشهدت فيه برأي "ستيفان شنايدر"، عالم المناخ من جامعة "ستانفورد" قائلة "إن العمل التطوعي غير نافع، والأمر يشبه ترك مسألة تحديد سرعة القيادة للأفراد. فمن بدون شرطة وقضاة تتحول الطرق إلى مجزرة. وبالمثل فإنه من دون قوانين وغرامات تزداد الغازات المسببة للاحتباس الحراري. إننا سنقود إلى تضاعف انبعاث غاز ثاني الكربون في الأجواء إذا لم نضع سياسة واضحة. ومع أني لا أنفي أهمية بدائل الكربون، إلا أننا حتماً سنفشل إذا اكتفينا بها". ــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"