لقد باتت منطقة الخليج العربي إقليماً تحف به المخاطر من كل حدب وصوب. وبتنا في عين العاصفة التي تهدد بأن تكون غير مسبوقة في تنوعها وعنفها وإفرازاتها وتداعياتها. من يتابع ويضع أجزاء الأحجية في أماكنها الصحيحة، سرعان ما يلحظ ما ترسمه وتشكله تلك اللوحة من مشهد قاتم بالغ التعقيد. خاصة أن الوقود الذي يرسم هذه اللوحة الحزينة، هو تداخل هذه العوامل وتفاعلها في الساحة العراقية والدور الإيراني المتصاعد و"القاعدة"... حيث يقتات كل هؤلاء على الفوضى المنفلتة في العراق. وهذا بالتحديد ما أصبح يمثل الهم الخليجي الذي تطرق له مع تصاعد العمليات الإرهابية والعنف في العراق والتمدد الإيراني، الاجتماع الثاني لوزراء الدفاع والخارجية والأجهزة الأمنية في دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض ولاحقاً وزراء خارجية دول المجلس في اجتماعهم 103 في جدة. تأتي هذه التصريحات الملفتة عقب ما نشرته صحيفة "الوسط" الكويتية عن تحذيرات من عمليات إرهابية وشيكة تستهدف المنشآت النفطية في أربع دول من دول مجلس التعاون الخليجي. من يتمعن في التصريحات والتحذيرات التي أطلقها أمين عام مجلس التعاون الخليجي ووزيرا خارجية الكويت والسعودية في الأسبوع الماضي، حيث ذكر الأمير سعود الفيصل عن "الظروف الأمنية والسياسية الحساسة التي تحيط بالخليج"، علاوة على ما أكده وزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد الصباح من أن "منطقة الخليج تقع بالفعل ضمن مخطط إرهابي واضح"، إضافة إلى ما أعلنه أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن العطية من أن وزراء الدفاع والخارجية في دول المجلس اتخذوا "قرارات سرية" للتعامل مع تداعيات ما يجري في المنطقة... سرعان ما يرتسم لديه مشهد معقد مخيف للخطر الذي يحيط بإقليمنا. ويأتي كل ذلك مع ما رشح من أن وفداً أمنياً أميركياً سيدرب عناصر أمنية كويتية لحماية مطار الكويت الدولي ورفع كفاءة إجراءات التفتيش والمراقبة داخله. يبدو المشهد الخليجي مضطرباً مع تصاعد العمليات الإرهابية حول المنطقة ومع تمدد الدور الإقليمي لإيران ولعب أوراقها بذكاء ودهاء، ولخدمة أجندتها الخاصة، مستفيدة من أوراق الملف النووي وأوراق أخرى من اليمن إلى لبنان وغزة. وبالطبع هناك ورقة العراق المؤثرة والرابحة. تفكيك الأحجية هذه يرسم مشهداً تتداخل فيه جميع المتغيرات الآنفة؛ من دور إيران وتحويلها العراق إلى ساحة تصفية حسابات وحقل تجارب لها ولـ"القاعدة" وغيرها من خصوم أميركا، للانقضاض على مشروع الأخيرة ومن يحالفها في المنطقة. تصاعد وتيرة العنف وتردي الأوضاع في العراق أمنياً وانسداد الأفق السياسي وعدم قدرة حكومة نوري المالكي على تحقيق ما هو مطلوب ومتوقع منها أميركياً وعراقياً. خاصة مع بدء القيادات من "الحزب الجمهوري" في التمرد على الرئيس جورج بوش والطعن بإمكانية نجاح استراتيجيته المتعثرة في العراق، مما يعطي القوى المعادية لواشنطن مزيداً من الجرأة لتكبيد أميركا المزيد من الخسائر هناك للتعجيل بحسم آراء من هم مترددون من الساسة في الكونجرس. كما أن تضييق الخناق من خلال عملية "السهم" في الأنبار وبعقوبة وتسليح القوات الأميركية لفئات سنية... سيدفع "القاعدة" والتنظيمات الموالية للتنفيس عن الاحتقان والتضييق في غرب العراق، عبر نقل المواجهة إلى مناطق أخرى وقد تكون خارج العراق، عن طريق عمليات نوعية في المنطقة للتوسع وتشتيت قدرات واشنطن وحلفائها. مما يخدم استراتيجية "القاعدة" وحلفائها ويضرب أميركا وحلفائها. ما يجعل منطقتنا مستهدفة وضمن مرمى نيران قوى التشدد، لضرب أميركا وإيذاء حلفائها، هو تصاعد وتيرة العنف وخطورة العمليات الإرهابية عشية الذكرى الثانية لتفجيرات لندن على خلفية العمليات الإرهابية من جلاسكو إلى مأرب. يضاف الى ذلك تدهور المشهد العراقي وتجرؤ إيران المستقوية بأوراقها. هذه الملفات المتداخلة الثلاثة تدفع بمنطقتنا نحو دائرة الخطر. لكن للأسف استراتيجيتنا لا تتعدى ردات الفعل. ورغم تلك التهديدات، لا يبدو أننا نجحنا في رص صفوفنا لبلورة موقف موحد يشكل استراتيجية للتعامل مع مثلث الأخطار التي تحدق بنا. فماذا ننتظر؟