تناقلت وسائل الإعلام المحلية الأسبوع الماضي، خبر ضبط سلطات الجمارك في دبي لأكثر من نصف مليون حبة مقلدة من أحد أشهر الأدوية في العالم، وهو عقار "البلافيكس" الذي يستخدم كمضاد لتخثر الصفائح الدموية في حالات الإصابة بأمراض شرايين القلب وشرايين المخ، لاسيما في حالات الذبحة الصدرية والسكتة الدماغية. وتقدر سلطات الجمارك قيمة الشحنة المضبوطة بخمسة ملايين درهم، مما يجعلها عملية الضبط الأكبر من نوعها على مستوى المنطقة. وفي شهر يونيو من العام الماضي، أعلنت وزارة الصحة أنها منعت 993 طرداً دوائياً من الدخول إلى البلاد عبر الموانئ والمطارات والبريد، لاحتوائها على أدوية مجهولة المصدر وأخرى ممنوع تداولها، وبعضها الآخر تالف. وهو ما يدل بشكل واضح على أن مشكلة الأدوية المقلدة والمزورة لم تصل فقط إلى بلدان المنطقة، بل أصبحت تتزايد باطراد. وعلى المستوى الدولي، تقدر منظمة الصحة العالمية أن حجم تجارة الأدوية المقلدة والمزورة يزيد على 32 مليار دولار سنوياً. بينما يقدر المركز الأميركي للطب من أجل المصلحة العامة (Center for Medicines in the Public Interest)، بأن حجم السوق الدولي لتجارة الأدوية المقلدة والمزورة سيبلغ بحلول عام 2010، أكثر من خمسة وسبعين مليار دولار، بزيادة قدرها 90% عن حجم السوق في عام 2005. وتتم معظم معاملات هذا السوق، في الدول التي لا تتمتع بقوانين وإجراءات تنظيمية كافية لسوق الدواء، أو تلك التي لا تستطيع تنفيذ تلك القوانين والإجراءات، خصوصاً إذا ما كانت هذه الدول تعاني من نقص حاد أو من إمدادات غير منتظمة للأدوية الأساسية. فمن بين جميع العقاقير الطبية التي تباع حول العالم، يتعرض 10% منها للتقليد والتزوير، وهي النسبة التي تبلغ 50% في بعض دول العالم الثالث. ويتم تعريف الأدوية المقلدة أو المزورة على أنها العقاقير الطبية التي تنتج وتباع بنية إخفاء مصدرها، أو موثقيتها، أو فعاليتها. وعلى هذا الأساس، يمكن للدواء المقلد أو المزور أن لا يحتوي على المادة الفعالة، أو أن لا يحتوي على كميات كافية من المادة الفعالة، أو يحتوي على مادة غير المادة الفعالة تماماً، والتي إما أن تكون ضارة أو غير ضارة. وبوجه عام يتم تقسيم العقاقير المقلدة أو المزورة إلى خمسة أقسام رئيسية، هي: 1) العقاقير التي يتم تزوير العبوة لتغيير تاريخ الصلاحية للأدوية منتهية الصلاحية، أو الفاسدة، أو غير الصالحة للاستخدام. 2) العقاقير التي لا تحتوي على كميات كافية من المادة الفعالة. 3) العقاقير التي تم غش المادة الفعالة بها. 4) العقاقير التي تم تغيير المادة الفعالة بها. 5) العقاقير التي لا تعبر عبوتها عن حقيقة المادة الفعالة بها. وتتسبب هذه الأدوية في ضرر بالغ، إما بسبب أن المريض يعتقد أنه يتناول دواءه بانتظام، في الوقت الذي لا يزيد ما يتعاطاه عن حبوب من السكر أو من طحين الدقيق، أو بسبب احتواء هذه الأدوية على مواد لا تتناسب مع حالة المريض الصحية أو تسبب له حساسية شديدة. ويعتقد بعضهم أن الأدوية المقلدة والمزورة، ربما تكون هي المسؤولة عن الحالات التي لا تتحسن فيها صحة المريض أو تتدهور حالته بشدة دون سبب واضح. ولا يدري أحد بالتحديد، حجم الأضرار أو عدد الوفيات التي تتسبب فيها الأدوية المزورة، بسبب أن الطبيب والمريض لا يدركان من الأساس أن العقار مقلد أو مزور. وتتسبب هذه الأدوية في كارثة أخرى على صعيد الصحة العامة الدولية، حيث تعجز الأنواع التي تحتوي منها على كميات غير كافية من المادة الفعالة عن علاج بعض الأمراض المعدية، مثل طفيل الملاريا، وإن كانت في نفس الوقت تتسبب في خلق مقاومة لدى الطفيل ضد الجرعات الكاملة من الأدوية الأصلية. ونتيجة هذه الآثار والأضرار، تسعى العديد من المنظمات الصحية وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، إلى تشكيل فريق عمل يعنى بتنسيق جهود مكافحة طوفان الأدوية المزورة والمقلدة، مع زيادة الاعتماد على التكنولوجيا لتفعيل هذه الجهود، مثل تكنولوجيا "البار-كودنج" (bar coding)، وتكنولوجيا التعريف بموجات الراديو (radio frequency identification)، أن تساعد في مكافحة تزوير الأدوية. هذه التكنولوجيا تعتمد على شريحة إلكترونية دقيقة، يمكن من خلالها تحديد هوية المنتج، وتتبع خط سيره، وهو ما يتيح للموزع والصيدلي والطبيب، التحقق من مصدر العقار أو الدواء المعني. وإن كان هناك فريق آخر، يلقي باللوم في هذه المشكلة على شركات الأدوية متعددة الجنسيات، والتي تبالغ في أسعار أدويتها، مما يتيح المجال لتجار الموت كي يخدعوا المرضى في الدول الفقيرة، من خلال عرض عبوات الأدوية نفسها بثمن أرخص بكثير. فعلى سبيل المثال، تبلغ مبيعات عقار "البلافيكس" الذي تم ضبطه هذا الأسبوع في دبي، قرابة الستة مليارات دولار سنوياً، مما يجعله ثاني أكثر الأدوية في العالم تحقيقاً لمبيعات وأرباح مادية. وهو ما دفع الشركة الفرنسية المصنعة للدواء، إلى رفع دعوى قضائية على شركة كندية قامت بتصنيع نسخة مطابقة للدواء الأصلي، ولكن بسعر أقل بكثير من سعر الشركة الفرنسية. وبالفعل فقد نجحت الشركة الأصلية في حرمان المرضى من الحصول على العقار بسعر معقول حتى عام 2011، واستمرت في عرضه بسعر يفوق متوسط الدخل الشهري لنسبة كبيرة من سكان العالم.