في أعقاب الهزيمة الإسرائيلية عام 1973، أصيب رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية الجنرال "إيلي زعيرا" في مقتل عندما لحقت به تهمة التقصير. إن أحد أركان نظرية الأمن الإسرائيلية يتمثل في قدرة المخابرات على كشف نوايا الأعداء العرب مبكراً، وهو ما يؤدي إلى تفعيل الركن الثاني في النظرية، وهو توجيه ضربة إجهاض استباقية عن طريق سلاح الجو، إلى أن يتمكن الركن الثالث في النظرية من التحرك ممثلاً في استدعاء قوات الاحتياط البرية لاقتحام الحدود والالتحام مع الجيوش العربية المنهكة تحت الضربات الجوية. من هنا تظهر خطورة التهمة التي لحقت بالجنرال "زعيرا" على صورته في التاريخ العسكري الإسرائيلي. فلقد تم تحت بصره حشد القوات العربية على الجبهتين السورية والمصرية، وظل القرار القيادي العسكري والسياسي الإسرائيلي حتى يوم الخامس من أكتوبر 1973 مسترخياً لدرجة أن القيادات جميعها، قد انصرفت في أعقاب اجتماع لتقدير الموقف، عقد في الرابع من أكتوبر، إلى قضاء إجازة يوم الغفران، بعد أن اكتفت بالاعتماد على وجود حالة تأهب في سلاح الطيران، طبقاً للتقدير الذي انتهت إليه، والذي قال إن الاستعدادات المصرية والسورية الجارية لا تعبر عن نية للقيام بهجوم، وإنها تدخل في باب المناورات، التي سبق أن تكررت من قبل وكان آخرها مناورة أبريل 1973. منذ تحققت مفاجأة الهجوم المصري السوري والجنرال "زعيرا" في ورطة، فلقد كانت طائرات الاستطلاع التابعة له كقائد للمخابرات العسكرية، قد رصدت الحشود المصرية المتتالية في اتجاه القناة وكذلك الحشود السورية في اتجاه الجولان، ومع ذلك فإن الصلف والغرور منعا هذا القائد من قراءة هذه الصور باعتبارها دليلاً على نية الهجوم العربي. فلقد كان الجميع في إسرائيل تحت سكرة انتصارهم 1967 قد كونوا وهماً راسخاً بأن العرب غير قادرين على شن هجوم، وحتى لو امتلكوا القدرة العسكرية، فإن خشيتهم من تكرار هزيمة 1967 ستردعهم عن شن أي هجوم. ومنذ أدانت لجنة القاضي "إجرانات" -التي كلفت بالتحقيق فيما سمي بالتقصير العسكري - الجنرال "زاعيرا" والرجل يفكر في أمرين: الأول تبرئة نفسه من التهمة، والثاني الانتقام من المصريين والسوريين الذين تسببوا في عزله من منصبه. من هنا ألقى الجنرال "زعيرا" مسؤولية التقصير على المخابرات العامة المعروفة باسم "الموساد" ورئيسها "تسيفي زامير" متهماً إياه بأنه المسؤول عن التقصير نتيجة لاستسلامه للمعلومات التي كان يقدمها له عميل مزدوج في إحدى الدول العربية يشغل منصباً كبيراً، والتي كانت تفيد حتى يوم الرابع من أكتوبر أنه لا توجد هناك نية للهجوم لدى مصر وسوريا بقصد الخداع، مع استمرار الجنرال "زاعيرا" في ترديد هذا المنطق لتبرئة نفسه، أدلى خصمه رئيس "الموساد" بحديث صحفي ضده يتهمه فيه بأنه يستخدم معلوماته عن أجهزة الأمن لخدمة مصالحه الشخصية، خاصة بعد أن نشر "أهارون بيرجمان" الباحث في التاريخ الإسرائيلي اسم الدكتور أشرف مروان نقلاً عن حديث مع الجنرال "زعيرا" باعتباره العميل المزدوج المقصود، والذي خدع المخابرات العامة الإسرائيلية "الموساد"، وهو يحمل الاسم الكودي بابل أو الصهر. إذن أصبح رئيس المخابرات العسكرية المعزول والمتهم بالتقصير متهماً بتهمة جديدة، وهي إفشاء أسرار الدولة بتسريبه للاسم الحقيقي للعميل بابل. في مواجهة هذه التهمة الجديدة، اضطر رئيس المخابرات العسكرية المتهم بالتقصير أن يلجأ للقضاء ليبرئ نفسه من تهمة إفشاء الأسرار. يوم الأحد الماضي ودعت القيادات السياسية المصرية جثمان أشرف مروان، وصدرت شهادات قيادية تفيد أنه كان صاحب دور وطني وهو أمر لا ينهي حرب جنرالات المخابرات الإسرائيلية للتخلص من تهمة التقصير في حرب 1973.