في الأسبوع الأخير من شهر يونيو الماضي، أعلنت إيران عن قرار مهم هو القيام بتطبيق مشروع تقنين استهلاك المحروقات في البلاد، خاصة وقود السيارات، ونتيجة لذلك دخلت البلاد في أزمة سياسية مفاجئة لم تكن في الحسبان، لأن تنفيذ القرار نفسه جاء مفاجئاً لعامة الإيرانيين، فالحكومة تريد توزيع المحروقات على المواطنين بالبطاقة التموينية، بحيث يحصل كل مواطن على ثلاث لترات فقط من الوقود يومياً. وعلى إثر تلك المفاجئة اندفعت الجماهير إلى شوارع المدن الكبرى خاصة طهران باتجاه محطات الوقود للحصول على أكبر كمية ممكنة قبل حلول ساعة الصفر الخاصة بالترشيد، ولأنه لم تُجر الاستعدادات الكافية لمواجهة مثل هذا الأمر كانت الكميات المتوفرة لبدء محطات محدودة جداً، والمحظوظون فقط هم الذين حصلوا على الكميات التي أرادوها. وبالنتيجة فإن غضباً عارماً عم أوساط العامة، وانتهز مثيرو الشغب واللصوص والمخربون الفرصة فيما يبدو، وقاموا بمهاجمة المحال التجارية ومحال توزيع الأغذية، ونهبوها وأشعلوا الحرائق فيها، بالإضافة إلى قيام الجماهير الغاضبة بحرق محطات الوقود. وأشارت التقارير، التي وردت من طهران إلى أن فرق الإطفاء ورجال مكافحة الشغب والجهات الأمنية الأخرى، واجهت صعوبات شديدة في السيطرة على الموقف بسبب ازدحام الشوارع الشديد واصطفاف السيارات في طوابير ملأت الطرقات على مدار الساعة. وعلى إثر ذلك اجتمع مجلس الشورى الإيراني، وندد بالتظاهرات وأعمال الشغب ووصف العديد من أعضائه ما حدث من فوضى ونهب وحرق للممتلكات بأنه تهديد خطير لأمن البلاد وسلامة النظام الحاكم، واستغلت الأقلية المعارضة ما حدث، وأبدت تحفظها على مشروع التقنين الجاري تطبيقه، والذي يشكل سبباً لما يحدث، وتقدمت بمشروع قانون عاجل، ينص على التعليق الفوري لعملية ترشيد استخدام الوقود بشكل مؤقت إلى أن تهدأ الأمور وتستوعب العامة الأسباب الحقيقية التي دفعت الحكومة إلى القيام بذلك. وفيما يبدو أن البرلمان والسلطة التنفيذية ليسا متفقين على توقيت تطبيق مشروع قانون التقنين، فقد صرح نائب رئيس مجلس الشورى قائلاً إن المجلس صوت على المشروع وأجازه، إلا أن السلطة التنفيذية تسرعت كثيراً في تطبيقه قبل أن تقوم بإعداد عامة الإيرانيين نفسياً وذهنياً لاستيعاب فكرة الترشيد، إلى جانب عدم قيامها بتوفير قنوات واضحة من آليات السوق لإيجاد بدائل لعدم قدرة المواطن والحصول على الوقود من خلال القنوات العادية التي يشملها التقنين. وأعلن برلمانيون آخرون عدم موافقتهم على تطبيق القانون في هذه المرحلة وبهذه السرعة، لأن لذلك انعكاسات سلبية على المواطن الإيراني. ويعد هذا الطرح صحيحاً إذا ما أخذنا في الاعتبار ردود الفعل السلبية والقوية التي أشرنا إليها. ما يهم في الأمر بالنسبة لاتخاذ قرار خطير فجأة في سلعة رئيسية يحتاجها الأفراد بشكل لا غنى عنه ولا بديل له، هي الدلالات والأسباب والدواعي، التي تقف وراء اتخاذه، وليس القرار في حد ذاته أو التداعيات المظهرية التي نشأت عن تطبيقه. الحكومة تريد من وراء ذلك إرسال خطابين أحدهما لعامة الإيرانيين والآخر للمجتمع الدولي. فبالنسبة للداخل، تريد أن تقول للإيرانيين إنه يتوجب عليهم شد الأحزمة على البطون، لأن القادم من عقوبات دولية مرتبط ببرامج الأبحاث النووية وتخصيب اليورانيوم سيكون قاسياً وسيطال كل شيء بما في ذلك الوقود الذي تستورد إيران منه حوالي 40 في المئة من احتياجاتها، ولو ترك الاستهلاك كما هو، فإن ما ينتج منه داخليا لن يفي باحتياجات البلاد لو فرضت العقوبات، فلا بد من تقنينه بغض النظر عن النتائج. أما الخطاب الموجه إلى الخارج، فإنه يريد أن يقول للمجتمع الدولي: انظروا إلى أوضاعنا السيئة بالنسبة للطاقة، فنحن في حاجة إلى استخدام الطاقة النووية، لأن ما لدينا من وقود تقليدي لا يكفي احتياجات شعبنا، وإن كنتم لا تصدقوننا، فانظروا إلى ما يحدث لدينا. وبالتأكيد فإن المجتمع الدولي لا يبدو مقتنعاً -ولن يصبح كذلك مستقبلا- لصيغة هذا الخطاب، فإيران بلد يعوم على بحور من النفط الخام والغاز الطبيعي وليس من المفهوم لماذا لا تتم توسعة الطاقة التكريرية فيه لكي تفي بحاجة البلاد. وعلى أية حال فإنه إمعاناً في الرغبة في التوضيح للداخل والخارج بأن ما يحدث من تفاعلات مرتبطة باستخدام الوقود وترشيده ليس مخطط لها، بادرت إيران في اتخاذ خطوات تبدو منطقياً عملية، وكرد فعل قاس على ما حدث من احتجاجات وأعمال شغب، واجتمع الآلاف من المسؤولين لمناقشة الموقف والتوصل إلى حلول عملية لمواجهة مثل هذه الأعمال في المستقبل، وتوجت الإجراءات بالإعلان عن إعدام عشرة من الذين شاركوا في أعمال الشغب والسلب والنهب وعلى رؤوس الأشهاد، فأين تكمن الحقيقة؟ سؤال محير جداً، أليس كذلك؟