العصيان المسلح يكلف أموالاً. فلكي تسيطر "حماس" على قطاع غزة الشهر الماضي، اضطرت الحركة لدفع الرواتب، وشراء الأسلحة، وصنع القذائف، وشراء دعم ومساعدة العصابات المحلية، وتقديم رشاوى للمعارضين، وطبع ملصقات ولافتات، وتمويل بروباجاندا إعلامية، بل وحتى تقديم طلبيات بصنع قبعات "حماس". ولكن، كيف مولت "حماس" هذا الانقلاب في غزة؟ وماذا عن "الحصار الاقتصادي" الدولي الذي كانت تشتكي منه "حماس"؟ وألم تكن "حماس" في ضائقة مالية خانقة إلى درجة أن زعماءها لجأوا إلى تهريب الحقائب المليئة بالأموال الإيرانية إلى قطاع غزة عبر الحدود مع مصر؟ الواقع أن جزءا من الجواب يكمن في – أو بالأحرى تحت - مدينة رفح الواقعة على الحدود المصرية، حيث تنتشر بين المنازل على جانبي الحدود أنفاقُ التهريب، التي تديرها في المقام الأول عصاباتُ غزة المهتمة بالربح أكثر منه بالأيديولوجيا. فقد اكتشفت السلطات المصرية والإسرائيلية أنفاقاً يصل عمقها إلى 98 قدماً تحت سطح الأرض في محاولة لتجنب رصدها بواسطة الموجات الصوتية. بعض هذه الأنفاق مجهز بأنابيب الهواء، والكهرباء والضوء، بل وحتى السكك الحديدية والمقطورات من أجل نقل الأشياء الثقيلة. غير أنه حتى عندما يتم العثور على فوهات الأنفاق وردمها، إلا أن المقاطع الوسطى تظل سليمة، فيتم حفر فوهات جديدة وإعادة ربطها بالأنفاق من جديد. وحسب مسؤولين إسرائيليين ومصريين وتقارير صحفية، تقوم منظمات مثل "حماس" باستئجار الأنفاق لليلة أو أكثر من أجل تهريب الأسلحة وغيرها مقابل بضعة آلاف من الدولارات. وقد استطاعت "حماس" تهريب الأسلحة ودفع ثمنها بالرغم من نظام العقوبات الدولية، عبر جملة من الوسائل، في مثال تقليدي على التعاون والتنسيق الموجودين بين أجنحتها العسكرية والسياسية والخيرية. فحسب معلومات استخباراتية أميركية رُفع عنها طابع السرية، يعمل المكتب السياسي لـ"حماس"، الذي يوجد مقره في دمشق ويتزعمه خالد مشعل وموسى محمد أبو مرزوق، منذ فترة طويلة على جمع التبرعات لتسليح النشطاء في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ حيث قام المكتب بتهريب الأسلحة برًّا إلى الضفة الغربية من الأردن، وبحراً في براميل لا تسمح بتسرب الماء ترمى بعيداً عن سواحل غزة من قبل سفن من سوريا ولبنان، وتحت الأرض عبر أنفاق رفح. ويذكر هنا أن إيران قامت بتمويل هذه العمليات خلال الأشهر الأخيرة. كما تقول السلطات الإسرائيلية إن عز الدين الشيخ خليل، وهو من عملاء "حماس"، كان يدير عمليات تهريب الأسلحة في رفح إلى أن قُتل في انفجار هناك في 2004. (ويعتقد أن إسرائيل تقف وراء الاغتيال، إلا أنها لم تتبن أبداً المسؤولية عن الحادث). ولعل أكثر ما يبعث على الانزعاج هو التمويل الذي مازالت تتلقاه "حماس" من خلال جناحها الذي يعنى بالأعمال الخيرية والخدمات الاجتماعية. ذلك أنه بالرغم من أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدرجان الحركة ضمن لائحة المنظمات الإرهابية، فإن "حماس" نجحت، رغم العقوبات الدولية، في نقل الأموال إلى الضفة الغربية وقطاع غزة بواسطة لجانها الخيرية ومنظمات الخدمات الاجتماعية. وبخلط الأموال عبر أجنحتها السياسية والخيرية والعسكرية، تدعم "حماس" ميليشيا "القوة التنفيذية" وخلايا "كتائب عز الدين القسام" الإرهابية تحت غطاء من الشرعية السياسية والإنسانية. فعلى سبيل المثال، أدانت السلطات الإسرائيلية الشهر الماضي أربعة أعضاء في لجنة خيرية شمال القدس بتهمة تمويل "حماس"؛ حيث جاء في حكم الإدانة أن نحو 237000 دولار تم تحويلها إلى هذه اللجنة خلال العام الماضي من قبل "الائتلاف الخيري" (والمعروف أيضا باسم "اتحاد الخير"). اليوم وقد باتت "حماس" تسيطر على قطاع غزة، من المهم أكثر من أي وقت مضى سد الثغرتين اللتين مكّنتا الحركة من تمويل الانقلاب في غزة: التهريب عبر أنفاق رفح، والتمويل من خلال شبكة الخدمات الاجتماعية لـ"حماس". والواقع أن مصر وحدها تستطيع إغلاق حدودها مع قطاع غزة بفعالية وإحكام. وقد قامت القاهرة بتحاشي "حماس" دبلوماسياً، وأعلنت معارضتها لظهور "أمراء حرب إسلاميين" في غزة. ولكن عليها أن تترجم خطابها إلى فعل عبر مبادرة جادة لمراقبة الحدود، تُركز بالدرجة الأولى على الحدود مع قطاع غزة التي يبلغ طولها ثمانية أميال. كما يتعين عليها أن تراقب الحدود الأطول التي تفصل سيناء عن صحراء النقب، والتي ينقل عبرها المهربون الأسلحة إلى الضفة الغربية. من جهة أخرى، على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يعملا على تلافي حدوث أزمة إنسانية عبر مساعدة المنظمات الدولية الشفافة والموثوقة على مساعدة الفلسطينيين. كما يتعين عليهما أن يمددا قائمة المنظمات الإرهابية لتشمل العدد الكبير من الكيانات، التي تسيطر عليها "حماس" في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي تتلقى المساعدات الخيرية الخارجية؛ إذ من شأن تحديد اللجان الخيرية المرتبطة بـ"حماس" دفع البنوك الدولية إلى منع مثل هذه الصفقات. وختاماً، يمكن القول إنه طالما سُمح لجناحيها السياسي والاجتماعي بمزاولة أنشطتهما من دون عراقيل، فإن "حماس" ستظل قادرة على تمويل جميع أنشطتها، ومن ذلك هجماتها الإرهابية على الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. ماثيو ليفيت ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ زميل "معهد واشنطن" ونائب سابق لمساعد وزير المالية الأميركي للاستخبارات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"