يقف يوسف الحاج في كتابه "في سبيل الحق: هيكل سليمان أو الوطن القومي اليهودي" على قرارات "بال" بقيادة هرتزل حول ضرورة الحصول على وطن لبني إسرائيل في "بلادهم القديمة"، حيث جرى تأسيس مصرف استعماري رأسماله 10 ملايين دولار أميركي لذلك الغرض، "يوزع على الأمور التجارية والاقتصادية والمصارف وسكك الحديد ومساعدة الأهالي في زراعة الأرض". ويبدو أن الوسائل التي اتبعت آنذاك هي نفسها التي تتبعها الدولة الصهيونية اليوم، خاصة فيما يتعلق بإضعاف الدول العربية وتفتيتها وزرع بذور الشقاق بينها، وذلك بواسطة الجمعيات السرية وتشجيع "الفوضى" ومنع المساواة. وكما عمل الصهاينة على إفساد الزعماء، كذلك عملوا على استخدام العلم والفنون ليكونا تحت تصرف من يملكون الذهب (أي اليهود)، ولنشر الرذيلة ومحاربة كل ميل أخلاقي مسيحي، ولتشييد عبادة المال والشهوة واللذة. هذه الوسائل كلها تستخدمها الدولة العبرية منذ قيامها حتى اليوم بدعم من حليفتها الكبرى أميركا، ومن قبلها بريطانيا، وما يجري اليوم في فلسطين من صراعات الإخوة، هو في جزء منه نتاج السياسات الصهيو/أميركية التي حاصرت "حماس" ودعمت "فتح" وأجهزتها الأمنية. ونحن هنا لسنا مع طرف دون آخر، لكننا ضد الصراع الذي يبدو مبرمجاً ومدعوماً من الدولة العبرية وقوى دولية أخرى. فهذا دور إسرائيل وحليفتها؛ كلما حدث شرخ بين دولتين عربيتين قامت هاتان القوتان بصب الزيت على نار الخلاف، كما هو الحال بين سوريا ولبنان مثلاً. وفي ما يخص إفادة الصهيونية من الماسونية، ينقل الكاتب عن هرتزل قوله: "حالما يُنادَى بحكومتنا، تنتهي مهمة الأحرار الذين يسيرون وراء المجال، ومتى أصبحت السلطة في قبضة يدنا ننزع من شعارنا الماسوني لفظة (حرية، مساواة، إخاء)، ونكون قد فزنا بما نروم... هذا ما حدا بنا إلى إيجاد ماسونيتنا الخاصة التي يجهل أسرارها وغايتها هؤلاء الحيوانات...". ويكمل هرتزل في فقرة تالية: "لأننا نحن شعب الله المختار، ولأن مصيرنا يقرر مصير العالم، وجب علينا أن نلاشي سائر الأديان... حينئذ يكون وكلاء جميع البلدان يهوداً أو من صنائع اليهود ويبدأ العهد اليهودي... ويبقى كل تنظيم وكل تدبير في أيدي اليهود دون غيرهم، ويكون الخوارج حراساً ومأموري تنفيذ ليس إلا". وكلما ذكر هرتزل كلمة "الخوارج" فهو يشير بها إلى غير اليهود عموماً، لكنه غالبا ما يقصد العرب والفلسطينيين على وجه الخصوص، يحث يقول: "ليس الخوارج إلا قطيعاً من الغنم، ولا يخفى عليكم ما يصيب الغنم متى دخلت الذئاب الحظيرة..."! ويتساءل يوسف الحاج عما يجمع يهود التوراة الأوائل ويهود اليوم، معتبراً أنه إذا كان يحق لأنبياء اليهود أن يروا في أنفسهم "شعب الله المختار"، ويروا أن جميع "شعوب الأرض نجس رجس وأنبياءهم كذبة ومجانين"، كما ورد في التلمود، فما الذي يمنح يهود اليوم حق اعتبار أنفسهم "شعب الله الخاص"؟ ثم يروي الكاتب حكايتين عن سلوكيات بعض اليهود، الأولى عن فتاة يهودية تعمل بمطبعة في بيروت، تنتهز فرصة قدومها إلى المطبعة فتقوم هي وزميلتها بإهانة صورة السيد المسيح في يوم الجمعة العظيمة. والحادثة الثانية يرويها عن لسان كاتب آخر التقى بمجموعة من اليهود في باخرة، وكان اليوم يوم سبت، ففوجئ بيهودي يهاجمه ويمنعه من استخدام السكين في قطع الجبنة بعد أن استخدمه لقطع اللحم، ثم هاجمه مرة أخرى بسبب تدخينه، فالتدخين يوم السبت حرام، وهنا ثار صاحبنا وتصدى لليهودي. هكذا يريد الحاج أن يثبت تعصب اليهود لدينهم وعقيدتهم من جهة، وعدم احترامهم لأديان الآخرين من جهة أخرى. وهذا ما تمارسه الدولة الصهيونية وحكوماتها المتعاقبة التي لا تحترم ميثاقاً ولا قراراً دولياً، وهي لا تحترم حتى حليفها الأول فتتجسس على أميركا وعلى كل أصدقائها من الدول التي ترعاها... فكيف يمكن لنا أن نثق بها وبوعود إيهود أولمرت التي أطلقها في شرم الشيخ منذ أيام؟ د. موزة غباش رئيسة رواق عوشة بنت حسين الثقافي وجمعية الدراسات الإنسانية- دبي