في هذه اللحظة من التاريخ، ليس هناك شيء جيد في صالح العرب. وتبدو الصورة قاتمة، وأن العالم يعيد النظر في وضع العرب وعلاقته بنا وبموقفه من قضايانا، خصوصاً أن بعض العرب أثبتوا عدم جديتهم في الوصول إلى حلول حقيقية لقضاياهم، وفي أحيان أخرى، بدا واضحاً تغليب المصلحة الشخصية أو الحزبية الضيقة على المصلحة الوطنية والقومية الاستراتيجية للوطن. لم يعد هناك شك بأننا نمر بحالة انحدار صعبة تنقلنا إلى مستقبل لا نعرف مدى خطورته. في هذا الجزء من العالم، من حق دول الخليج أن تقلق على أمنها، فهي لا تكاد تبدأ مسيرة تنموية إلا وتحاصرها الحروب والنزاعات الإقليمية التي تؤثر على خططها الاقتصادية، واليوم صار الإرهاب هماً كبيراً تتخذ ضده دول الخليج، بالإضافة إلى جميع دول العالم، إجراءات وقائية صارمة. إلا أن الإرهاب الذي لم يكن له في يوم من الأيام أي شكل أو لون أو حجم، يمارس دوره التخريبي بشكل مستمر في كل مكان من العالم. وما يقلق بعض دول الخليج أنها صارت تعاني من أن بعض أبنائها تحولوا إلى "إرهابيين دوليين"، فتجدهم يظهرون في كل مكان وفي كل أزمة. ومنذ أيام تم الكشف عن عشرات منهم جثثاً هامدة في مخيم نهر البارد في لبنان، فما الذي يدفع الشاب الخليجي لأن يتحول إلى أداة سهلة في يد الفكر الإرهابي المجرم، الذي لا يسعى إلا إلى الفساد في الأرض وترويع الآمنين من البشر؟ هذا سؤال يحتاج إلى إجابة. الخليجيون من حقهم أن يكونوا قلقين على اقتصادهم، فدول الخليج تعمل منذ سنوات من أجل تقوية اقتصادياتها ومن أجل تحسين مستوى المعيشة فيها، وكذلك من أجل أن توفر مناخاً استثمارياً مشجعاً للمستثمر الأجنبي، إلا أن هذه الأحداث المتلاحقة التي لا تتوقف، تجعل الأمور تسير بشكل أبطأ، بل تتطلب جهوداً إضافية لتأمين الوضع المناسب والمطمئن للمستثمرين. وفي كل صيف تكون الأمنيات قضاء صيف ساخن بطقسه وليس بأحداثه؟! المواطن العربي يعيش هذه الأيام حالة من القلق المريب، فما يحدث لا يدعو إلى الاطمئنان، ويبدو أن صيفنا الحالي لن يكون هادئاً؛ فإرهاصات أزمات حقيقية بدأت تظهر، سواء في العراق أم لبنان أم فلسطين... أما الأحداث الإرهابية التي طالت لندن خلال الأيام القليلة الماضية، فلا نستبعد أن تظهر تبعاتها في دول المنطقة. لنبدأ بلبنان الذي ما يزال "الإخوة الأعداء" فيه يتفرجون على ما يحدث في بلدهم دون إبداء أي استعداد لإيجاد حل لذلك، أو لتقديم تنازل يمكن أن يفرج الأزمة، فكل طرف يعتقد بأنه على حق، لذا لا يجب أن يتنازل عن موقفه وأن الآخر على باطل وعليه أن يتنازل عن مواقفه وآرائه... والوضع في لبنان "محلك سر". محاولات تشكيل حكومة جديدة هو ما يتم هذه الأيام، فبين حكومة وحدة وطنية يرفضها بعضهم وحكومة تكنوقراط يبدو أنها تروق للبعض، لا أحد يعرف إلى أين ستصل الأمور وما الذي سيوقف دوران السياسيين اللبنانيين في الحلقة المفرغة التي لا يريدون الخروج منها رغم معرفتهم بخطورة بقائهم لوقت أطول فيها! أكثر المتشائمين لم يكن يتوقع أن يصل الوضع في لبنان إلى ما وصل إليه اليوم، بل الأخطر أن ما هو متوقع قد يكون أسوأ، وخصوصاً أن الكل يتفق على أن جميع الأطراف ملتزمة، وإلى اليوم، بالهدوء لكن من يضمن بقاء الأمور على ما هي عليه ومن يضمن عدم فلتانها؟ نتمنى أن يمر هذا الصيف على خير في لبنان وليس كما مر الصيف الماضي. إذا ما انتقلنا إلى العراق، هذا البلد الذي هجره أهله وغادروه طواعية ومضطرين، وحتى أولئك الذين تحملوا لعقود طويلة نظام صدام حسين وظلمه وقهره، لم يتمكنوا من الصمود في الوضع الحالي، ليس فقط لأنهم لا يشعرون بالأمن والأمان وإنما لأنهم فقدوا الأمل في مستقبل بلدهم، وصارت لديهم قناعة بأن عودة العراق إلى الحالة التي يتمنونها قد تحتاج إلى جيل أو أجيال، لذا كان قرارهم بالهجرة والبحث عن وطن بديل. أما السياسيون الذين عادوا إلى العرق ليحكموها، فهم المرتاحون الذين يرون أن الأمور على أفضل حال والمستقبل سيكون أفضل وعمليات القتل اليومية التي تحصد عشرات العراقيين الأبرياء، ما هي إلا مرحلة وتنتهي... فهل حقاً ستنتهي قريباً؟ وعندما تنتهي كم تكون قد حصدت من قتلى وجرحى ومعاقين ويتامى ومهجرين عراقيين؟ وهل الاستعدادات التي نسمع عنها منذ أشهر لصيف عراقي ساخن، مجرد إرهاصات أم أنها ستكون حقيقة مؤلمة في سلسلة الحقائق العراقية المؤلمة؟! الأدهى والأصعب على العرب، وسط كل تلك الأزمات، ما يحدث في فلسطين بين حركتي "فتح" و"حماس"، لدرجة أن الفلسطينيين انقسموا إلى قسمين أحدهما مع هؤلاء والآخر مع أولئك، وللأسف صاروا عنيفين مع بعضهم بعضا ولا يتقبل أي منهم الآخر... ومن الواضح أنه لم تعد هناك أرضية مشتركة للحوار بين الطرفين... وأن لا مكان لـ"حماس" على الساحة السياسية –وربما على ساحة المقاومة أيضاً- وهذا يعني أن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت غير سارة في ظل العناد الفلسطيني- الفلسطيني الذي مارسه الفلسطينيون ضد بعضهم بعضا... فما الذي يمكن أن يعيد الفلسطينيين إلى صوابهم؟ المعطيات الحالية تقول إنه ليس هناك شيء يمكن أن يساعد على تهدئة الأجواء بين هذين الفريقين إلا من خلال إقصاء أحدهما للآخر، وهذه قد تكون مشكلة لكنها في نفس الوقت يبدو أنها هي الحل الوحيد... لكن السؤال المهم هو: أي مستقبل ينتظر فلسطين في ظل قيادات لا تقبل الآخر بل هي على استعداد لتصفيته جسدياً... وأي صيف ينتظر الفلسطينيين في ظل التهديدات المتبادلة بين "فتح" و"حماس"؟! بهذه النظرة البانورامية السريعة على الوضع في هذا الوطن العربي الكبير، نصل إلى حقيقة وهي أننا في هذا الوطن وفي هذا الزمن، نحتاج في كل دولة إلى مجموعة من الرجال الحكماء أو على الأقل رجل حكيم واحد يقبله الجميع حكماً ويتفقون على حياديته وحكمته ونزاهته، فمن الواضح أن أغلب المشكلات في وطننا العربي تبين أنه لو كان هناك رجال حكماء لم يتلوثوا ولم يتورطوا مع مجموعة أو فكرة ضد أخرى، لكان من الأسهل احتواء بعض الأوضاع والخلافات. ما هي المشكلة في الاختلاف؟ شخصياً لا أرى أن هناك أية مشكلة في أن يختلف شخصان أو طرفان، لكن هذا الخلاف يجب أن يكون حضارياً ومن أجل مصلحة الوطن وليس مزاجياً من أجل إرضاء غرور النفس، حتى لا تصبح البندقية لغة الحوار الوحيدة بيننا... فأي مستقبل ينتظر العرب وأي أمة ستجدها الأجيال القادمة من أبنائنا؟! نعيش في زمن يقتل فيه أبناء الوطن بعضهم بعضاً لأسباب تافهة، ففي العراق يتقاتل أبناء الوطن الواحد لأنهم من مذهب إسلامي مختلف، أو لأنهم يختلفون في الرأي حول مسألة ما أو بسبب خلافات تاريخية عفا عليها الزمن! وفي لبنان يتآمرون على بعضهم بعضا لأن هؤلاء "مع" وأولئك "ضد" ولا نعرف مع من؟ لكن الواضح أنهم ضد الوطن والمواطن... فتستمر الاغتيالات السياسية ويبقى البلد مشلولاً اقتصادياً وسياحياً من دون أن يؤلم ذلك قلب أي سياسي ويجعله يغلب لغة العقل والمنطق على لغة العاطفة والموقف الشخصي ويضع حداً للتدهور الذي يشهده بلده... أما في فلسطين وباسم تحرير الأرض فإن "فتح" تقتل أعضاء "حماس" و"حماس" لا تتورع في قتل أعضاء "فتح"، وكأن تحرير فلسطين يبدأ بالتخلص من الفلسطينيين وتبادل الاتهامات بالخيانة والفساد والعمالة. صار ملاحظاً أنه عندما يأتي طرف محايد من الداخل أو الخارج ليحل مشكلة في دولة من تلك الدول المتأزمة، فإنه يصل إلى نتيجة واحدة وهي البحث عن طرف ثالث غير الطرفين المتنافسين والمتناحرين، فقد يكون الطرف الجديد فيه من الإخلاص والجدية وتحمل المسؤولية ما يعيد الأمور إلى نصابها. المسؤولية كبيرة، ولكن يبدو أن حالة العجز العربي التي نمر بها لا تسمح لنا حتى أن نكتب كلمات نطالب فيها العرب أن يخرجوا من حالة الضياع التي يعشونها، وأن ينظروا إلى المستقبل بطريقة أفضل...