عندما بدأ الرئيسان جورج بوش وفلاديمير بوتين زيارتهما التي كانت ستستغرق 24 ساعة لمنتجع عائلة بوش العائلي في "كينيبنكبورت" بولاية "ماين" أمس الأول الأحد، والتي كان مقرراً أن يناقش فيها الزعيمان الوسائل الكفيلة برأب الصدع في علاقة البلدين، فإن شريطاً طويلاً من ومضات الذكريات الخاطفة كان يخيم على اجتماع الزعيمين. ولكن الشيء الذي قد يلقي بظلال ثقيلة على الزيارة تلك الهواجس التي ارتبطت بعقد التسعينيات الذي شهد انهيارات اجتماعية، وفقراً، وتعثراً ديمقراطياً في روسيا. بالنسبة للعديدين في الغرب، لم يتبلور ذلك الإدراك بأن العلاقات مع روسيا، تواجه صعوبات سوى في الآونة الأخيرة فقط. ولكن روايات العديد من الروس بشأن تدهور تلك العلاقات تستعيد ذكرى عقدين تقريباً من المعاملة "غير العادلة" التي بدأت بخيانة الآمال التي قدمها الغرب ذاته، والتي كانت تعد روسيا ببناء نظام جديد بعد انتهاء الحرب الباردة، يمكن لها أن تنضم إليه وتندمج فيه تماماً. "إن فكر الرئيس الروسي الأسبق ميخائيل جورباتشوف الجديد، هو الذي ساعد على إنهاء الحرب الباردة، بيد أن الرجل لم يتلق استجابة مماثلة من الغرب"، هذا ما قاله "أناتولي تشيرنيايف"، أحد كبار مستشاري جورباتشوف لشؤون السياسات الخارجية في السنوات الأخيرة من عمر الاتحاد السوفييتي. ويضيف "تشيرنيايف": لقد اتخذنا عدداً من الخطوات يفوق ذلك الذي اتخذها الغرب. إلا أن ما حدث لسوء الحظ هو أن الاتحاد السوفييتي قد اختفى، وروسيا تعرضت للإهانة، بل وتم تصفيتها كقوة عظمى". هذا الرأي ردده "جافريل بوبوف" عمدة موسكو المشهور خلال تلك الأيام الصاخبة المفعمة بالآمال، التي قادت إلى انهيار الاتحاد السوفييتي. كان "بوبوف" إصلاحياً متحمساً وشريكاً في قيادة الحركة الموالية للديمقراطية التي لعبت دوراً في قرار روسيا الخاص بالتخلي عن الشيوعية، والالتحاق بالأسرة الدولية التي يقودها الغرب. لذلك كان من الغريب أن نسمع السيد "بوبوف" وهو يعدد قائمة طويلة من الأمثلة التي يعتقد أن الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة أخفق فيها كونه لم يقدم لروسيا تلك المساعدة، التي وعده بها بعد أن اختفى الاتحاد السوفييتي، ليس هذا فحسب، بل ويساهم أيضاً في المشكلات الاجتماعية والسياسية، التي تلت ذلك. قال "بوبوف" عن ذلك:"إن أي شخص ذا ذهنية ديمقراطية لم يكن في مقدوره أن يفعل شيء سوى الشعور بالإحباط". ويضيف: "إن احباطات التسعينيات العميقة أدت إلى رد فعل ضد القيم الغربية كما أدت إلى تزايد الدعم لبوتين، الذي شن في فبراير الماضي هجوماً على السياسة الخارجية الأميركية الأحادية في خطاب ألقاه في ألمانيا، واتهم في الولايات المتحدة بأنها قد تجاوزت حدودها في كل مجال، تقريباً لدرجة لم يعد معها أحد يشعر بالأمان أو يحتمي بجدار القانون الدولي الذي خرقته أميركا." يتركز الغضب الروسي في الوقت الراهن على خطة يتوقع لها أن تتصدر جدول المباحثات في "كينيبنكبورت" وهي تلك الخاصة بإنشاء 10 مواقع للصواريخ المضادة للصواريخ في بولندا، وإنشاء مواقع أخرى مماثلة في جمهورية التشيك. وتقول الولايات المتحدة إن الغرض من النظام هو الوقاية من هجوم محتمل بالصواريخ من إحدى الدول المارقة مثل إيران ولكن روسيا ترى أن بناء تلك القواعد سيؤدي إلى التأثير بالسلب على قدراتها الاستراتيجية الرادعة. ويذكر أن بوتين كان قد هدد بتوجيه الصواريخ الروسية نحو أهداف أوروبية لأول مرة منذ الحرب الباردة إذا ما مضت الخطوات الأميركية الرامية نحو نشر هذه الصواريخ قدماً. وقد أدى رد واشنطن الفاتر على اقتراح روسي مضاد يدعو الولايات المتحدة إلى استخدام محطة رادار متقدمة مقامة في أذريبجان منذ العصر السوفييتي لتحقيق نفس الغرض الذي تقول إنها تريد أن تبني الصواريخ من أجل تحقيقه، إلى ردود فعل كلامية حادة تدفقت من موسكو، منها على سبيل المثال التصريح الذي أدلى به وزير الدفاع الروسي "أناتولي سيردياكوف" الأسبوع الماضي وقال فيه: "إن نشر تلك الصواريخ في بولندا والتشيك لن يؤدي فقط إلى الإخلال بالتوازن العسكري الاستراتيجي في أوروبا ولكنه سيعرض للخطر أيضا آلية التكامل الأمني بين روسيا والغرب". والشيء الذي يحير الكثيرين في الغرب هو ذلك الرفض الروسي لتصديق التطمينات المتكررة التي يقدمها المسؤولون الأميركيون لموسكو، والتي يؤكدون فيها أن بلادهم لم تعد تنظر لروسيا على أنها عدو. المسؤولون الروس بدورهم يؤكدون أن تاريخ علاقتهم مع الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة، لم يترك مجالاً لأي ثقة وأن موضوع نشر الصواريخ في دول مجاورة لروسيا، وفي دول كانت تدور في الماضي في فلك الاتحاد السوفييتي يعتبر بمثابة"القشة التي قصمت ظهر البعير"، بالنسبة للعلاقات بين البلدين، كما يقول "اندري كليموف"، عضو اللجنة الفرعية لمجلس "الدوما"، المختصة بالتعاون في أوروبا، الذي أكد أن كل ما يتعين على الغرب القيام به هو مراجعة تطور العلاقات بين البلدين خلال العقدين الأخيرين، كي يعرف السبب الذي يدعو الروس للشعور بالغضب. هذا الموقف الروسي الواثق من نفسه، يُفسر على نطاق واسع في الغرب بأنه من صنع بوتين ضابط الـ"كي.جي.بي" السابق، الذي أخرج جهود بلاده لبناء الديمقراطية عن مسارها الصحيح، كما فرض الرقابة على وسائل الإعلام، واستخدم إمكانياتها الهائلة في مجال الطاقة في ممارسة البلطجة على جيرانه، وخرج على العالم بأجندة روسية جديدة معادية للغرب. يرد الروس على ذلك بالقول إن الأمر ليس على هذا النحو، وأن كل ما هنالك هو أنه يوجد في الوقت الراهن إحساس متزايد لدى المؤسسة الروسية الرسمية بأن الغرب مخطئ في موقفه تجاه روسيا بشكل عام، وذلك كما يقول"لوكيانوف" رئيس تحرير مطبوعة "روسيا في الشؤون الدولية"، وهي من المطبوعات المرموقة المتخصصة في مجال السياسة الخارجية، الذي يؤكد أيضاً:"منذ عقد من الزمان لم يكن الأمر على هذا النحو حيث أدى نجاح الغرب في كسب الحرب الباردة إلى جعل الروس يعتقدون أن الغرب يعرف أفضل منهم في الكثير من المسائل، ولكن الأمر لم يعد على هذا النحو الآن." ويقول المسؤولون الروس إنه يتوجب على إدارة بوش أن تتخلى عن أفكارها السابقة بشأن روسيا، وتدرك أن هناك انهياراً خطيراً في العلاقات بين البلدين قد غدا وشيكاً، وأن لقاءات مثل ذلك الذي يجري الآن في "كينيبنكبورت" الآن قد تمثل الفرصة الأخيرة لإنقاذ تلك العلاقات. ويقول"كليموف" تعليقاً على ذلك:"كل ما نرجوه هو أن يفكر الرئيس بوش لمدة خمس دقائق فقط كما يفكر الروس، وأن يرى الأشياء على النحو الذي يرونه بها قبل أن يذهب للقائه التالي مع بوتين". فريد واير مراسل "كريستيان ساينس مونيتور" في موسكو ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"