عندما نتحدث عن المستقبل الاقتصادي المتنامي للخليج، يعتقد بعضهم أننا نبالغ في إمكانية تنمية الطاقات والفرص المتوفرة في دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تقدم تجربة تنموية مهمة من بين البلدان النامية. لكن الشهادة جاءت هذه المرة من الغرب ومن مجلة اقتصادية متخصصة، ففي عددها الخاص بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيسها والذي تناول مواضيع وتحليلات اقتصادية عديدة ومتنوعة، ذكرت مجلة "ميد" في بند خاص بمجلس التعاون الخليجي ما يلي: اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة، ستشكل في عام 2030 سادس أكبر اقتصاد في العالم بعد كل من الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند واليابان، وبدخل سنوي سيصل إلى 2 تريليون دولار، كما سيرتفع متوسط دخل الفرد إلى 56 ألف دولار، وهو واحد من أعلى المعدلات في العالم. أما عدد السكان، فسيتضاعف خلال الخمسة والعشرين عاماً القادمة، ليصل إلى 80 مليوناً، كما سيتضاعف إنتاج النفط ليصل إلى 30 مليون برميل يومياً، مقابل 17 مليونا في الوقت الحاضر. على مستوى دول المجلس، ستتحول العديد من المدن الخليجية إلى مدن كبيرة، بما فيها أبوظبي ودبي، أما شركة "سابك" فستتحول إلى أكبر شركة للبتروكيماويات في العالم، وستحقق إنجازات كبيرة في المجال المالي والنقدي بعد تحقيق العملة الخليجية الموحدة. هذا باختصار الصورة العلمية المرسومة لاقتصاديات الخليج بعد أقل من ربع قرن من الآن والمبنية على أساس التوقعات البيانية، إلا أن هناك متطلبات عديدة لا بد من توفرها للوصول إلى سادس أكبر اقتصاد في العالم، حيث تملك دول المجلس هذه المتطلبات وتستطيع إنجاز هذا التقدم الاقتصادي، مع كل ما يعنيه ذلك من تطور لكافة القطاعات الاقتصادية وارتفاع في مستوى المعيشة. أول هذه المتطلبات الأخذ ببنود الاتفاقية الاقتصادية الموحدة، التي طورت وأقرت قبل سبعة أعوام، والتي تتضمن بنودا مهمة للغاية، وبالأخص إقامة السوق الخليجية الموحدة في بداية العام القادم 2008 وإصدار العملة الموحدة في موعدها وتنسيق عمل البورصات الخليجية وتحقيق المواطنة الخليجية وتحرير القطاع المالي بين دول المجلس وصولاً لتوحيد التوجهات والأنظمة والقوانين الاقتصادية. ما ينطبق على دول مجلس التعاون ينطبق على بلدان الاتحاد الأوروبي، إذ من دون السوق الأوروبية الموحدة ومن دون اليورو لا تستطيع بلدان الاتحاد احتلال المركز الثالث كأكبر اقتصاد عالمي بعد الصين والولايات المتحدة، لذلك من المهم أن تتحقق المتطلبات المشار إليها، والتي ستساهم في تطور كافة الاقتصاديات الخليجية. يبقى أن نشير إلى أهمية احتلال المركز السادس من بين الاقتصاديات العالمية في عام 2030، إذ أن ذلك يعني الكثير لاقتصاديات ناشئة، فهذا بدوره سيفتح آفاقا واسعة لنمو الاقتصاديات الخليجية وتنوع قاعدتها الإنتاجية، فحصة النفط النسبية يمكن أن تتراجع على الرغم من زيادة الإنتاج بعد أن تنمو القطاعات الاقتصادية غير النفطية مدعومة بارتفاع أعداد السكان. وبتنامي العلاقات الاقتصادية والتجارية لدول المجلس باعتبارها واحدة من أكبر الاقتصاديات في العالم، خصوصاً وان هناك بوادر تشير إلى تحول دول المجلس إلى مركز عالمي للخدمات اللوجستية والطيران والنقل والصناعات البتروكيماوية والسياحة والخدمات المالية، والتي ساهمت مساهمة فعالة في تنويع مصادر الدخل القومي. علاقات اقتصادية عالمية جديدة تتشكل في ظل تقنية المعلومات والإعلام وانفتاح الأسواق وتحررها، مما يفتح المجال أمام اصطفاف اقتصادي جديد تتوفر فيه فرص تاريخية للعديد من البلدان والتكتلات الاقتصادية، حيث يمكن للبلدان العربية، وبالأخص لدول الخليج، والتي استطاعت خلال السنوات الماضية إقامة بنية أساسية متطورة أن تعمل على إقامة سوق كبيرة وعملة نقدية عالمية، تستند إلى اقتصاد متنوع، لتحقق بذلك توقعات تقرير مجلة"ميد" التي استندت بدورها الى ما يتوفر في دول المجلس من إمكانيات كبيرة، يمكن أن تحقق نقلة نوعية للاقتصاديات الخليجية في الربع الأول من القرن الحالي.