هناك أكثر من سبب يدعو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للابتسام، عندما يلتقي نظيره الأميركي الرئيس بوش، في "كينبنكبورت" بولاية "مين"، عطلة نهاية الأسبوع الحالي. والسبب أن بلاده تزيد من درجة هيمنتها الاستراتيجية على إمدادات أوروبا من الطاقة، في الوقت الذي تخفق فيه الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأميركية في سبيل حفز تنوع مصادر الطاقة الأوروبية، مصحوبة بانفراط عقد سياسات الطاقة التي يتبناها الاتحاد الأوروبي. وفي الثالث والعشرين من شهر يونيو المنصرم، وسَّعت روسيا صدع سياسات الطاقة الأوروبية، على إثر إبرام شركتها الحكومية "غازبروم" اتفاقاً مع ائتلاف الطاقة الإيطالي "إي إن آي"، يتم بموجبه بناء خط لأنابيب الغاز، يمتد من روسيا إلى جنوبي أوروبا، عبر البحر الأسود. وفي وسع هذا المشروع أن يقوض مشروع "نابوكو" الموازي، الذي تدعمه الولايات المتحدة الأميركية. والهدف من هذا المشروع الأخير، هو دعم تنوع مصادر الطاقة الأوروبية. وفي شهر مايو الماضي، كانت روسيا قد توصلت لاتفاق "لم يتحول بعد إلى معاهدة ملزمة" مع كل من جمهوريتي كازاخستان وتركمانستان، يقضي بتوسيع سيطرة موسكو على تدفق إمدادات الغاز والنفط من منطقة آسيا الوسطى إلى أوروبا. وقد أعقبت هذه الاتفاقية، النجاح الذي كانت قد حققته موسكو قبل عامين ماضيين، في الحصول على دعم المستشار الألماني جيرهارد شرويدر وقتئذ، لبناء خط أنابيب غاز روسي- ألماني مشترك، يمر عبر كل من بولندا وأوكرانيا. ونتيجة لذلك، فقد كافأ بوتين المستشار الألماني لاحقاً، بمنحه وظيفة مجزية، هي رئاسة ذلك المشروع. والملاحظ أن من شأن اتساع الهيمنة الروسية على خطوط وطرق إمدادات الطاقة المتجهة إلى أوروبا، أن يمكِّن موسكو من ممارسة ضغوط سياسية بالغة على القارة الأوروبية، بسبب اعتماد الأخيرة على الأولى عملياً في ضمان استمرار تلك الإمدادات. وبالفعل فقد أظهرت موسكو سلفاً قدرتها على ممارسة هذه الضغوط. كيف لا وقد أغلقت روسيا خطوط أنابيب الغاز المتجه إلى أوروبا مرتين، خلال الثمانية عشر شهراً الماضية؟ وقد كان أول إغلاق لها لهذه الأنابيب، إبان النزاع السياسي بينها وبين جمهورية أوكرانيا، ثم تلاه الإغلاق الثاني، نتيجة لنشوب نزاع حول الطاقة بينها وبين جمهورية بيلاروسيا، في وقت مبكر من العام الجاري. أما الرد الأوروبي على هذه الهيمنة الروسية، فقد تركز على بناء قاعدة عريضة لتنوع مصادر الطاقة. وتلك هي السياسة التي دعا إليها نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، عبر الخطاب الذي ألقاه في قمة حلف "الناتو" التي عقدت في العام الماضي. وقد جاء في ذلك الخطاب قوله:"ما من سبيل لخدمة المصالح الشرعية، إذا تحول النفط والغاز إلى أداة للترهيب أو الابتزاز السياسي، سواء كان ذلك عن طريق التحايل على إمدادات الغاز والنفط، أو بواسطة احتكار نقلهما وترحيلهما". لكن وعلى رغم علو نبرة الخطاب الأوروبي الأميركي في هذا الصدد، فإن الفعل العملي باتجاه تحقيق سياسات تنويع مصادر الطاقة الأوروبية هذه، ظل ضعيفاً وأبعد ما يكون عن تحقيق الهدف المنشود. على أن ذلك لا ينفي حقيقة قدرة مشروعين على تحقيق ذلك الهدف. أولهما بناء خط أنابيب بحر قزوين- البحر الأسود- أوكرانيا- بولندا. والفكرة أن ينقل هذا الخط، نفط كازاخستان بواسطة الناقلات النفطية، عبر بحر قزوين، ومن ثم عبر خط أنابيب قائم أصلاً، يمر بجمهورية أذربيجان، ومنها إلى ميناء "سوبسا" بجمهورية جورجيا. ومن هناك يتم نقله ثم عبر خط أنابيب أوكرانيا، الذي لا يزال قيد الاكتمال، لينتهي في ميناء "غدانسك" البولندي. أما المشروع الثاني العملاق، الرامي إلى حفز تنوع مصادر الطاقة الأوروبية، فهو مشروع "نابوكو" وهو تصور مستقبلي، يقدر له أن ينقل الغاز المنتج في جمهورية أذربيجان -ثم أخيراً منتجات الغاز في جمهوريات آسيا الوسطى إجمالاً- عبر تركيا، إلى كل من وسط وغرب أوروبا. وكان الاتحاد الأوروبي أعلن عن وضعه هذا المشروع في قمة أولويات وأجندة قمته المنعقدة في شهر مارس الماضي. وفي الوقت ذاته، أعلن البنك الأوروبي للتنمية والتعمير، عن استعداده لتمويل 70 في المئة من إجمالي تكلفة بناء خط الأنابيب المتجه من شرقي تركيا إلى النمسا. غير أن المؤسف أنه لم يحرز سوى تقدم يكاد لا يذكر، في تنفيذ كلا المشروعين المشار إليهما، على رغم الجهود المكثفة المقدرة التي بذلها فيهما، أندريه بيلباجز، مفوض شؤون الطاقة بالاتحاد الأوروبي. وبينما تتقاعس جهود الأوروبيين ويفل عزمهم عن بناء هذين الخطين، إذا بروسيا وهي تمضي قدماً في إحكام هيمنتها وقبضتها على الخطوط المؤدية بمنتجات النفط والغاز إلى القارة، مستفيدة في ذلك من العائدات المالية الضخمة التي درتها على خزانتها منتجات الطاقة هذه. وبالنتيجة، فها هي موسكو تنهمك يوماً إثر الآخر، في إبرام الصفقات الثنائية الفردية، مع هذه الدولة الأوروبية أو تلك، بما يقوض جهود القارة الساعية إلى تنويع مصادر الطاقة. ــــــــــــــــــــ زميل أول بالمجلس الأطلسي، ورئيس مجموعة "أورانج سيركل" الناشطة في حفز الديمقراطية في جمهورية أوكرانيا ــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"