بالإضافة للحر والرطوبة وكثير من التوتر بسبب لهيب الشمس الحارقة، الذي يمتد أثره حتى نهاية الليل، هناك الكثير من القضايا المعلقة والموغلة في هموم ومشاعر مضاربة تسودها استفهامات يزيد من وهجها الحار هذا الصيف وغيره. فالأخبار تقول إنّ هناك من الفقر ما يتناقض مع دولة الرفاه، وأن هناك منسيين. وماذا عن هموم الإسكان والبطالة والتعليم الذي صار بلا ثوابت محددة، وصندوق الزواج المتعثر لخلل ميزانيته. وغيرها من المشاريع التنموية التي في طريقها للاندثار لسبب أو لآخر. وضعف الأمل بالمجلس الوطني وبوادره الديمقراطية التي كانت تبشر بمجتمع مدني فاعل ومؤثر وله سمات المدنية الحقة، ويمكن القول إن كراسي الأعضاء أصابتنا بالخيبة، وجعلتنا نبحث عن مجلس بديل لا يشكو فيه الأعضاء آلام الظهر والمفاصل. القيظ وَصفه الأجداد أنه أشرس من حر النار، وهو كذلك حين يكون الخذلان سمة الصيف الأولى، فشعور المواطن أنه منتهك من كل صوب وأن الأجنبي صار يستمتع ببحر بلاده وشواطئه ليبعث المواطن على الهرب حياءً وقلقاً. فشراسة القيظ تحتمل برطب تحبل بها نخيل الوطن طوال العام ليكون تعويضاً عن هذا الحر القاتل. ماذا يفعل هذا الباسق ثمره وسط هذا الهجير من الغرباء؟! تلتفت يمنة ويسرة، لترى أن مسؤولين لهم نفس الوجوه والأسماء وكأن كل الحل في عقدة لدى ثلة من الأولين والآخرين وليختصر الأمر العام لديهم، وكأن أرض المكان الصحراوي الأصيل تعجز عن إنجاب النجباء دائماً. تكرار ذات الأسماء يعني أن هناك خللاً ما، وأن الشللية تعني أن تمتد أذرعك لتتملك كل شيء، ولتكون بلا بصيرة ترى أبعد من صحبك وأعمق من صالح شخصي مقيت. فاحتكار المعايير والسلطات يتناقض مع سمات المجتمع المدني المأمول، ويمثل انعكاساً لسلبيات فاقدة لكل معيار جمعي مشترك، يعتمد في أسسه على قيم وثوابت وأرضية عمل مشترك تستدعي، فكرا نهضويا وتنمويا، يقرأ المستقبل بوعي وبنية صادقة في المضي قدماً نحو إشراقة فعلية. فإذا كان البحر مسكونا بالأجانب وبالمشاريع المناهضة لذكرى البحر ورائحته وحكايات الجدات عنه وعن علاقتنا به، ذاب البحر أيضاً بفعل فكر أحادي، لم يتفهم البعد الإنساني والمكاني لقيمة البحر وضرورة وجوده حياً ... طبيعياً ومحترماً لأبعد نقطة. فلا عزاء للبحر ولا للرطب الجني، ولا حتى لنسائم متحررة من رطوبة وقلق وأفكار متخوفة من قراءة سفر القادم بثقة وعلو همة. صيفنا حار جداً .. وتزداد حرارته كلما ازددنا توغلاً في تجاهل ما يتراءى أمامنا من هزائم ترتدي مسوح الإنجاز. ليس سراباً هذا القلق، إنه يشبه درجة الحرارة التي تقرأها الأرصاد الجوية اليومية المتفائلة بعد أقل حرارة وأكثر انتعاشاً. ورغم هذا الحر، وهذا القيظ الموصوف في قصيد الأجداد، نظل نحب هذا المكان ونرفض أن يكون صيداً سهلاً للبعض، إنه ثروة لابد وأن تكون ضمن مقتنيات صغارنا حتى لا تكون لديهم هذه الحرارة وهذا القلق، وتلك الأشياء الأخرى العديدة!