بدأت دول الاتحاد الأوربي أمس الأحد، في تطبيق مجموعة من القوانين والإجراءات، تتعلق بالادعاءات الصحية التي تُرفق أحياناً مع الأطعمة والأغذية، المعروفة بالأغذية الوظيفية أو الطبية (functional or medicinal foods)، والتي يطلق عليها أحياناً أيضاً اسم الأطعمة الخارقة أو "السوبر" (superfoods). أهم تلك القوانين الجديدة، ربما كان شرط وجود دراسات علمية، تثبت بشكل قاطع الفوائد الصحية المزعومة، كي يتم السماح بإرفاق تلك الادعاءات مع الأغذية المعنية. وقبل أن نتطرق إلى تفاصيل هذه القوانين الجديدة، التي يفترض أن تطبق على جميع الأغذية التي تصنع أو تباع في دول الاتحاد الأوربي، وأثرها على اختيارات المستهلك وأساليب تسويق الأغذية حول العالم، يجب أن نتوقف قليلاً عند مفهوم "الأطعمة السوبر". بداية، لا يوجد اتفاق عام على تعريف محدد للطعام الوظيفي أو "السوبر"، وإن كان من الشائع تعريفه على أنه أي نوع من الأغذية، الطازجة أو المعلبة، يؤدي وظيفة أخرى، مثل تحسين الصحة أو الوقاية من الأمراض، بخلاف الوظائف الاعتيادية للطعام والمتمثلة في مد الجسم بالطاقة وبالعناصر الغذائية مثل الفيتامينات والأملاح. فعلى سبيل المثال، تزعم بعض الشركات المصنِّعة لحبوب الإفطار أن: "حبوب الإفطار تحتوي على كميات كبيرة من الألياف. وتظهر الدراسات الطبية أن زيادة كمية الألياف في الغذاء، يمكنها خفض احتمالات الإصابة ببعض أنواع السرطان". وبالتالي حسب هذا الادعاء، لا تقوم حبوب الإفطار بسد الجوع فقط، بل يمكن تناولها أيضاً كإجراء وقائي ضد احتمالات الإصابة بالسرطان. أو مثلاً الادعاء الشهير بأن "حبوب الشوفان يمكنها خفض مستوى الكوليستيرول في الدم، وهو ما من شأنه أن يقلل احتمالات الإصابة بأمراض القلب". ويرى الفريق المؤيد لمثل تلك المزاعم، أن الآثار الصحية للأغذية "السوبر"، يرقى بها على صعيد الوقاية من بعض الأمراض إلى مستوى العقاقير الطبية التي توصف من قبل الأطباء للوقاية من نفس تلك الأمراض، وهو ما يمنح هذه الأغذية لقباً جديداً، هو "الأغذية العقاقيرية" (Nutraceuticals). وبخلاف حبوب الإفطار والشوفان، تطلق هذه الصفة على قائمة طويلة من الأغذية الطازجة والمعلبة على حد سواء، تتخطى المئة صنف ونوع. ومنذ أن أطلق اليابانيون مصطلح الأغذية الوظيفية في عام 1988، اتسع نطاق هذا المصطلح ليشمل حالياً ثلاثة أقسام رئيسية: الأغذية الطبيعية سواء كانت طازجة أو معلبة، والأغذية المعدلة وراثياً، والأغذية التي تتم إضافة عناصر غذائية ضرورية لها. هذا القسم الأخير يشمل مثلاً إضافة عنصر اليود إلى ملح الطعام لتجنب اضطرابات الغدة الدرقية بسبب نقص هذا العنصر الغذائي الأساسي، أو إضافة مادة الفلوريد لمياه الشرب للوقاية ضد تسوس الأسنان، أو إضافة حمض الفوليك للقمح والخبز للوقاية ضد السكتة الدماغية. وعلى نفس المنوال، تقوم الشركات المصنعة للأغذية المعلبة بإضافة طائفة واسعة من الفيتامينات والعناصر الغذائية مثل الكالسيوم، كوسيلة تسويقية لزيادة القيمة الغذائية في نظر المستهلك. وتكمن المشكلة في أن غالبية البشر، إذا ما كانوا يتناولون غذاء صحياً متوازناً، ليسوا في حاجة إلى تلك الفيتامينات أو تلك العناصر التي تضيفها الشركات لمنتجاتها. بينما تظل العلاقة بين غالبية الأغذية الطبيعية الطازجة أو المعلبة، وبين تحقيق الوقاية من الأمراض، علاقة ضعيفة وغير مؤكدة في أحسن الأحوال. أفضل مثال عن هذه العلاقة غير الواضحة بين صنف ما من الغذاء وبين الوقاية من الأمراض، هو مثال زيت الزيتون. فمنذ فترة ليست بالقصيرة، تتواتر الأخبار والمقالات عن فائدة زيت الزيتون في تحقيق قدر لا بأس به من الوقاية من أمراض القلب والشرايين، وارتباطه أيضاً بالوقاية من سرطان الجلد، وسرطان الثدي، وسرطان القولون. ولكن على عكس ما يعتقد الكثيرون، ورغم تدفق هذا الكم الهائل من المزاعم، لا يوجد دليل قاطع وواضح بعد على الفوائد الصحية لزيت الزيتون. وهي الحقيقة التي اتضحت بشكل جلي عام 2004، عندما وافقت هيئة الأغذية والعقاقير الأميركية على طلب منتجي زيت الزيتون بإضافة ادعاء صحي على عبوات منتجاتهم. بشرط أن تصاغ تلك الادعاءات بالشكل التالي: "توجد بعض الأدلة العلمية، المحدودة وغير القاطعة، التي تشير إلى إمكانية خفض احتمالات الإصابة بأمراض الشرايين التاجية، عن طريق تناول ملعقتين من زيت الزيتون يومياً، بسبب ما يحتويه هذا الزيت من دهون أحادية غير متشبعة". وأمام هذا اللبس، وسيل المزاعم عن هذا الغذاء أو ذاك، واستغلال تلك المزاعم لأغراض تسويقية من قبل منتجي الأغذية الطازجة ومصنعي الأغذية المعلبة، عمدت بعض الحكومات لسن القوانين والتشريعات، بهدف حماية المستهلك ومنع استغلاله وتضليله. وتعتبر الولايات المتحدة من الدول السباقة في هذا المجال، حيث قامت هيئة الأغذية والعقاقير الأميركية في عام 2003، بتحديد المعايير العلمية التي يمكن على أساسها إرفاق ادعاء عن قيمة صحية أو وظيفية للغذاء، وإن كان البعض يرى أن إرشادات الهيئة قد فتحت الباب للمزيد من المزاعم غير المؤكدة. وكما ذكرنا، قام الاتحاد الأوروبي بسن قوانين وتشريعات أكثر صرامة، لسد الطريق على استغلال الدراسات العلمية غير المؤكدة لتحقيق أغراض تسويقية من قبل منتجي ومصنعي الأغذية. ويمكننا أن نخمن بقدر كبير من الثقة، أن أياً من الدول العربية لا توجد بها قوانين أو تشريعات مشابهة، وهو ما يجعل المستهلك العربي حالياً، ضحية سهلة لكل ما يتفتق عنه ذهن مسؤولي التسويق في تلك الشركات.