بدأت الدوائر المحلية في أبوظبي اعتباراً من مطلع هذا الأسبوع العمل بنظام الدوام الجديد وزيادة عدد ساعات العمل اليومية من سبع إلى ثماني ساعات. هذا النظام عند الإعلان عنه، الشهر الماضي، أثار عدداً من التساؤلات من قبيل أن مناخ الدولة، خاصة خلال فترة الصيف، لا يسمح للموظفين والإداريين والميدانيين بالعمل حتى الرابعة عصراً، وأن إنتاجية الموظف تنخفض كثيراً خلال الساعات الأخيرة من الدوام، كما يرى بعضهم أن النظام الجديد يتعارض مع توقيت حضور وانصراف الطلاب المرتبطين بأولياء أمورهم من الموظفين، وأن هذا النظام يؤثر سلباً في حياة المواطنين الاجتماعية بسبب اتساع مساحة روتين العمل. لا شك في أن كل هذه التساؤلات يمكن تجاوزها من خلال إضفاء مزيد من المرونة في بداية وانتهاء العمل بحسب فصول السنة وبحسب طبيعة عمل الدوائر نفسها، مع الإبقاء على معدل ثماني ساعات للعمل يومياً، كما هو الحال في القطاع الخاص. في ظل ضعف الإيمان بأهمية الوقت في الدوائر الحكومية بصفة عامة، فإن النظام الجديد للدوام قد يكون ثقيلاً في بادئ الأمر بالنسبة إلى موظفي بعض الدوائر المحلية، إلا أنه سيكون مألوفاً جداً، بل ومطلوباً أيضا متى ما وجدت الرغبة الجادة في تطوير أنظمة العمل ورفع جودة وكفاءة الأداء، ومتى ما كانت هناك نيّة صادقة للتناغم مع إيقاع الزخم التنموي الذي تشهده أبوظبي في أكثر من مضمار حالياً، مع مراعاة أن الوقت هو العامل الحاسم وأن الإنسان هو محور الارتكاز لتحقيق التميّز في قطاعات الحكومة المحلية كافة خلال المرحلة المقبلة. وإذا كانت الإنتاجية والجودة هما من أكثر المفاهيم الاقتصادية استخداماً في العصر الحالي، وكلاهما يستندان في الأساس الى عامل الوقت، فإن النظام الجديد للدوام يحمل، بلا شك، العديد من الجوانب الإيجابية على المستوى الفردي للدوائر والمؤسسات الحكومية التي يجب عليها أن ترفع كفاءتها بصورة مستمرة لتواكب التحوّلات الهيكلية الكبرى التي تشهدها الخدمة المدنية في أبوظبي في أكثر من مضمار حالياً، والتي ترتكز في الأساس على الاهتمام بقيمة الوقت ومستويات الإنتاجية الاقتصادية، وإمكانيات تنميتها وتطويرها، بما يتناسب مع طموحات أبوظبي التنموية، والتي تتطّلع من خلالها إلى حجز مراكز عالمية متقدِّمة. وإذا كان هذا النظام "الجديد" للدوام الحكومي سيشكّل عبئاً على بعض الدوائر، فإن مؤسسة حكومية مثل "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية"، ظل يعمل منذ تأسيسه قبل 14 عاماً بهذا النظام وبواقع ثماني ساعات، في اليوم، مقسمة على فترتين صباحية ومسائية، قبل أن يتم دمجهما، العام الماضي، في فترة دوام واحدة، حيث استطاع المركز أن يوظف هذه الخاصية في تحقيق كمٍّ هائل ومتنوع من الإنجازات خلال فترة زمنية وجيزة. عامة، وبصورة أكثر شمولية، فإن قرار تعديل الدوام الحكومي في الدوائر المحلية يحقق العديد من المكاسب، من ضمنها زيادة كفاءة ومستويات الإنتاجية الاقتصادية في الدوائر الحكومية، وردم الفجوة بين القطاعين الحكومي والخاص، وهو بذلك يزيل إحدى العقبات الأساسية أمام جهود التوطين في القطاع الخاص، إذ إن طبيعة الدوام في القطاع الخاص لا تشكّل أحد الأسباب الرئيسية لعزوف المواطنين عن العمل في هذا القطاع فحسب، وإنما للهرب من هذا القطاع والعودة إلى العمل في القطاع الحكومي أيضاً، حيث تشير دراسات ميدانية في القطاع المصرفي، الذي تبدو فيه جهود التوطين ظاهرة أكثر من غيرها، أن أحد الأسباب الرئيسية لاستقالات المواطنين من المصارف هو طول فترة ساعات العمل. ــــــــــــــــــــــــــ نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية