في الخامس عشر من أغسطس 2002، قدمتُ لجورج تينيت، الذي كان يشغل وقتئذ منصب مدير "وكالة الاستخبارات المركزية" (سي. آي. إيه)، الجزءَ الخاص بي من عرضٍ مركب حول "القاعدة" والعراق. غير أن "تينيت" كتب في كتابه الأخير، الذي يحمل عنوان "في قلب العاصفة"، يقول إنني قلت في ملاحظاتي الافتتاحية إنه "لم يعد ثمة جدل"، و"ليست ثمة حاجة لمزيد من التحليل"، و"إنها قضية محسوم فيها". الحقيقة أنني لم أقل هذه الأشياء أبداً. بل قلت إن الطابع السري للعلاقة بين العراق و"القاعدة" يجعل من الصعب علينا معرفة مدى أهميتها؛ ذلك أن الاحتياطات الأمنية لـ"القاعدة" وحاجة العراق إلى إخفاء علاقته مع الشبكات الإرهابية كانت تحول دون إمكانية القيام بتقييم كامل لعلاقتهما. كما أن تينيت أخطأ بشأن عنوان العرض؛ فقد كان العنوان هو "تقييم العلاقة بين العراق و"القاعدة""، وليس "العراق و"القاعدة" – إثبات القضية". قمتُ في ذاك اليوم بتقديم موجز عن مجموعة من التقارير الاستخباراتية (تعود للفترة من 1990 و2002) التي تعكس وجود نسق لدعم العراق لـ"القاعدة"، ومن ذلك اتصالات على مستوى عال بين مسؤولين عراقيين رفيعي المستوى و"القاعدة"، والتدريب على صنع القنابل، وعرضاً عراقياً لـ"القاعدة" لتقديم الملجأ، واتفاقا بعدم الاعتداء والتعاون. أما موقفي، فتمثل في أن المحللين لم يكونوا يتعاطون مع هذه التقارير لأن معظمها لم يكن قد نُشر ووزع على شكل مطبوعات نهائية. كشف "تينيت" في كتابه أن المحللين المتخصصين في الإرهاب التابعين لـ"السي. آي. إيه" "كانوا يرون أن التقارير التي كانت تتحدث عن علاقة قوية بين "القاعدة" والعراق صحيحة"، غير أن المحللين الإقليميين للوكالة "قللوا من شأن التعاون الذي كانت تتحدث عنه التقارير". وبالتالي، يقول تينيت، فقد كان ثمة رأي بديل في صفوف المحللين التابعين له. وقد رد "تينيت" على العرض الذي قدمتُه بمحاولته الطعن في مؤهلاتي. فأنا لم أكن "جندية احتياط في البحرية" معارة للبنتاجون من أجل مهمة مؤقتة، مثلما زعم في كتابه. بل كنت محللة للمعلومات الاستخباراتية لعقدين من الزمن؛ وقد أمضيت نصف هذه الفترة في "الاستخبارات المضادة". ثم إنني لم أخرج باستنتاجات خارج التقارير التي كانت متوفرة، مثلما ألمح إلى ذلك، وإنما كنت أتعامل مع المعلومات الواردة في التقارير. قال تينيت إن مجموعة التقارير لم تثبت وجود علاقة "نشطة". والحال أنني لم أقل أبدا إنها أثبتت ذلك. والواقع أن استعمال كلمة "نشطة" غدا طريقة ملائمة للتقليل من مصداقية تقارير عقد التسعينيات والعلاقة بين العراق و"القاعدة" مثلما وصفتُها. إلى ذلك، يقول تينيت في كتابه إنه لم يكن يوجد دليل على أن للعراق "سلطة وسيطرة على عمليات "القاعدة"". والحقيقة أنني لا أذكر أن أحداً من داخل أجهزة الاستخبارات أو خارجها قال ذلك في يوم من الأيام. اللافت أنه في السابع من أكتوبر 2002 بعث تينيت برسالة إلى لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ صرّح فيها بأن "فهمنا للعلاقة بين العراق و"القاعدة" ما فتئ يتطور" حيث كتب يقول: - "لدينا تقارير موثوقة حول اتصالات على مستوى عال بين العراق و"القاعدة" تعود لعشر سنوات" وعن "وجود أعضاء من "القاعدة" في العراق، من بينهم أفراد زاروا بغداد". - "معلومات موثوقة تشير إلى أن العراق و"القاعدة" تحدثا عن توفير الملجأ وعدم الاعتداء المتبادل" و أن "زعماء "القاعدة" بحثوا في العراق عن أشخاص يمكن أن يساعدوهم في الحصول على قدرات أسلحة الدمار الشامل. كما ذكرت التقارير أيضاً أن العراق قدم تدريبات لأعضاء "القاعدة" في مجالات السم والغازات وصنع القنابل التقليدية". - "دعم العراق المتواصل للفلسطينيين المتطرفين، إضافة إلى تزايد المؤشرات على وجود علاقة مع "القاعدة"، تشير إلى أن علاقات بغداد بالإرهابيين ستزداد". النقطتان الأوليتان اللتان أشار إليهما تينيت تعكسان المعلومات التي استعملتُها في العرض الذي قدمته. إلا أن تينيت لم يشر، خلال تناوله لموضوع "القاعدة" والعراق في كتابه، إلى هذه الرسالة. ولكنه قدم في كتابه، بالمقابل، تفاصيل بخصوص الأنشطة بين "القاعدة" والعراق، إضافة إلى تلك الواردة في رسالته. الواقع أنه منذ 2002، لم تكن المعلومات المأخوذة من حوارات مع أشخاص محتجَزين بخصوص اتصالات بين العراق و"القاعدة" موثوقة دائماً. ذلك أن المعتقلين قد يقولون ما يعتقدون أن محتجِزيهم يرغبون في سماعه، أو قد يتناقضون مع أنفسهم. فعلى سبيل المثال، زعم أحد أفراد "القاعدة" (أبو زبيدة) أنه لا توجد علاقات بين "القاعدة" والعراق، قبل أن يقول لاحقاً إن أي علاقة ستكون جزئية. وقال آخر (ابن الشيخ الليبي) إن العراق قدم لأفراد من "القاعدة" تدريبات بخصوص الأسلحة الكيماوية والبيولوجية؛ قبل أن يتراجع عن هذا الكلام لاحقاً. من المرجح أن تتوفر معلومات أكثر وثوقاً من الوثائق العراقية التي تم احتجازها – وبخاصة وثائق جهاز الاستخبارات العراقية. إن فهما أوفى وأكبر لعلاقة العراق مع "القاعدة" سيتأتى عندما يستطيع المؤرخون استغلال الوثائق العديدة المحتجَزة والاستفادة منها بمنأى عن الحسابات السياسية لحرب العراق. كريستينا شيلتون محللة استخباراتية بـ"وكالة الاستخبارات الدفاعية" من 1984 إلى 2006 ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"