رغم مرور أكثر من أربع سنوات على الاحتلال الأميركي لبلاد الرافدين، لا تزال السياسة الأميركية تتخبط يومياً في كيفية إدارة العراق المحتل. لا يتسع المجال هنا لاستعراض الأخطاء الأميركية منذ تحرير العراق عام 2003، لكن الإدارة الأميركية تتعرض لانتقادات يومية، ليس فقط من الرأي العام العربي والعالمي، بل من الرأي العام الأميركي، الذي تزداد انتقاداته لإدارته حول استمرار بقائهم في العراق. أعضاء الكونجرس الأميركي ليس من الحزب "الديمقراطي" فقط ، بل من الحزب "الجمهوري" الحاكم بدؤوا يتخلون عن السياسة الأميركية في العراق ويطالبون من الرئيس تغيير هذه السياسة. وفي محاولة من الرئيس الأميركي لإرضاء أعضاء الكونجرس، يتجه بوش لقبول نظام اللامركزية في العراق في نطاق أكبر. واضح جداً بأن الإدارة الأميركية تتفهم ماذا يجري في العراق طوال تاريخ العراق السياسي الطويل، حيث لعبت الدولة دوراً مركزياً رئيسياً لإدارة الأمور، مما همش دور الأقاليم. التجارب الديمقراطية في الدول المتحضرة التي نجح فيها النظام اللامركزي أو الفيدرالي يعود إلى أن مؤسسات المجتمع المدني والثقافة المدنية في الأقاليم تؤمن بأهمية الدولة والولاء المطلق لها لضمان الأمن والاستقرار. الدول الغربية مرت بتجربة إنسانية طويلة مع الاستقلال الذاتي للأقاليم من عهد اليونان والرومان حتى ظهور الدولة القوية التي وحدت الأقاليم المختلفة تحت لواء الدولة القومية. هذه التجربة الغربية الناجحة لا يمكن نسخها في مجتمعات قبلية وظائفية لا يؤمنون بالولاء للدولة القومية. بل يتخوفون منها ويهابونها، لذلك نجح صدام حسين في ضبط الأمن في الأقاليم المختلفة من خلال قوة الدولة المركزية وتمسكها بدخل الدولة من النفط أو الضرائب. اليوم وبعد تحرير العراق، اتبعت الإدارة الأميركية سياسات خاطئة في تمزيق لحمة الشعب العراقي بتشكيل مجلس الحكم على أساس طائفي حسب نظام الحصص. واستعجلت الإدارة الأميركية في إقرار الدستور وتقسيم العراق على أساس طائفي وقومي تحت مسمى الفيدرالية. المصيبة الكبرى أن الأحزاب والحركات السياسية، التي وصلت للسلطة لا تملك مشروعاً وطنياً عراقياً يوحد كل العراقيين حوله، فالأغلبية من الأحزاب اختارت النهج الطائفي والقومي للاستفادة من الواقع الجديد. الحرب الأهلية الطائفية في العراق اليوم، يعود سببها لشعور البعض بأنهم لا ينتمون للعراق الموحد، بل ينتمون لمليشيات وأحزاب لها مصالحها الذاتية المرتبطة بدول الجوار سواء كانت إيران أو سوريا.ماذا تريد واشنطن من طرح فكرة اللامركزية؟ العراق اليوم ممزق وشعبه يحارب بعضه بعضاً، فالشيعة مثلاً لا يحاربون السُنة فمنهم من يؤيد "القاعدة" والبعض الآخر يؤيد القبائل التي تحارب "القاعدة". أما الأكراد فكل همهم هو تأمين مناطقهم، والعمل على استقلال مناطقهم من العراق، رغم أن رئيس جمهورية العراق كردي. ما هو تأثير سياسات التخبط الأميركي على الأوضاع في دول الخليج العربية؟! دول الخليج العربية، هي المتضرر الأول من السياسات الأميركية الخاطئة في العراق. فهذه السياسة الخاطئة، سمحت بازدياد النفوذ الإيراني في العراق، بل امتد هذا النفوذ ليشمل لبنان وفلسطين وسوريا، كما أن السياسية الأميركية أدت إلى تزايد الإرهاب في المنطقة، فمعظم الإرهابيين في الخليج تم تدريبهم في العراق. الأوضاع غير المستقرة في الخليج زادت من وتيرة التسلح في الخليج على حساب التنمية والتطور الاقتصادي. مطلوب من دول الخليج العربية توحيد مواقفها وإقناع الولايات المتحدة بأن من مصلحة أميركا والعرب أن يبقى العراق موحداً ذا نظام ديمقراطي علماني، تعددي يطمح قادته إلى توحيد فئات الشعب تحت لواء دولة قوية بدلاً من أقاليم تحارب بعضها البعض. مطلوب من الإدارة الأميركية أن تعيد رسم سياستها في العراق لكن ليس على حساب العرب ومصالحهم.