إن أحد المحاور المهمة التي تطرّق إليها مؤتمر "الدور الاجتماعي للشركات"، الذي أنهى أعماله في دبي مؤخراً، هو ضرورة أن تضطلع الشركات الكبرى بمسؤولياتها في مجال تنمية الموارد البشرية، وتوظيف وتدريب الخريجين الجدد من أبناء دول المنطقة، للحدّ من معدلات البطالة المتفاقمة، خاصة في أوساط هذه الفئة من العمالة. تأتي هذه الدعوة، وفي دولة الإمارات، باتت البطالة تسجل اتساعاً وتفاقماً، حتى بات الحصول على فرصة عمل في القطاع العام أو الخاص، يتطلب جهوداً خارقة تحتاج إلى تدخّل ذوي النفوذ، وقد بدا مثل هذا الأمر يتردد بشكل علني في أعمدة الرأي اليومية. ولعل السبب الرئيسي الذي يدفعنا اليوم، لإعادة طرح الحديث حول قضية، أشبعت نقاشاً في وسائل الإعلام والمؤسسات البحثية، يتمثل في اتهامات أحد المسؤولين بالدولة، الباحثين عن عمل، بأنهم عقبة نحو حل القضية. إن أرقاماً رسمية أعلنت خلال مناسبات عدة في السابق، تضع أعداد المسجلين الباحثين عن عمل في حدود 27 ألفاً إلى 35 ألفاً بالإمارات، بينما ينضم إليهم عشرة آلاف خريج سنوياً، في دولة لا تتعدى فيها نسبة المواطنين العاملين بالقطاع الخاص 2% فقط، من مجموع العاملين بالقطاع الخاص. هذه الأرقام إن صحّت تعني ببساطة أن حجم البطالة بين المواطنين بالدولة يراوح ما بين 15% إلى 20% من حجم قوة العمل المواطنة، وهي نسب كبيرة وغير مقبولة في دولة استقبلت، خلال السنوات الخمس الماضية، أكثر من مليون من العمالة الوافدة للعمل في مختلف المهن والتخصصات بالقطاع الخاص. إن إعادة مناقشة هذه القضية، التي باتت قضية معظم البيوت بالإمارات، ليس الهدف منها اتهام أحد بالتقصير، أو القيام بتقويم أداء ما، بقدر ما هو إثارة تساؤل في مناسبة مهمة، حيث يفترض أن نعمل بذلك مع كل فرصة حتى يتحقق الهدف من مسؤولية القطاع الخاص تجاه المجتمع، وفي الوقت الحالي، وفي مقدمة هذه المسؤولية توظيف وتدريب وتأهيل الشباب الإماراتي العاطل عن العمل. إن إبعاد العنصر المواطن وتغييبه عن القطاع الخاص، يؤدي باستمرار إلى تنمية مهارات العمالة الوافدة واستمرارها في السيطرة على هذا القطاع، وبالتالي عدم القدرة على الاستغناء عنها مع استمرار ارتفاع حدّة البطالة بين المواطنين. إن إثارة مثل هذه القضايا قد تثير حفيظة عدد من رجال الأعمال، كما حدث مؤخراً مع تصريحات وزيرة الشؤون الاجتماعية أثناء إعصار "جونو" الذي ضرب بعض المناطق الساحلية بالإمارات الشمالية، وهؤلاء الذين قد تثيرهم المكاشفة والمصارحة فهم مَن يعتقدون بأن الحكومات ما زالت المسؤولية الاجتماعية كاملة تقع على عاتقها، وأنه لا شيء قد تبدّل في ما يخص مسؤوليتهم تجاه مجتمعهم. لكن واقع الحال كما تمت ملاحظته من خلال التوجّهات الرسمية الأخيرة، يفرض على مؤسسات القطاع الخاص الاضطلاع بمسؤولياتها الوطنية تجاه هذا الوطن وقضاياه الاستراتيجية، والمشاركة في بناء القدرات والكفاءات الوطنية، والإسهام بفاعلية أكبر في عملية التنمية التي ستنعكس نتائجها الإيجابية على كل الجهات وبشكل يسهم في تحقيق النجاح الذي يتطلع إليه الجميع. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية