في كتاب "الوهابية" الذي وضعه سامي قاسم المليجي؛ ملحقٌ صغير يتحدث فيه المؤلف عن رجل المخابرات البريطانية "مستر همفر" الذي أُرسل للبلاد الإسلامية من قبل وزارة المستعمرات البريطانية. ويتناول الملحق المخططات البريطانية في التقليل من أهمية الإسلام خلال العهد العثماني. حيث أوفدت تلك الوزارة عام 1710م "مستر همفر" إلى كل من: مصر –العراق –إيران –الحجاز -الآستانة، لجمع المعلومات الكافية: "التي تعزز تمزيقنا للمسلمين ونشر السيطرة على بلاد الإسلام"! ما يهمنا في الوثيقة (الملحق) التي يتحدث فيها رجل المخابرات البريطاني هو الوسائل -وأجدني لاعتبارات المساحة أحاول اختصار الوسائل التي اقترحتها وزارة المستعمرات البريطانية للاستيلاء على المنطقة الإسلامية- ولقد حصل الاستيلاء بالفعل بعد سنوات من وضع التقرير. والوسائل هي: 1- تعاون بريطانيا مع قياصرة روسيا للاستيلاء على المنطقة الإسلامية. 2- التعاون مع فرنسا وروسيا لتحطيم العالم الإسلامي من الداخل والخارج. 3- إثارة النزاعات والنعرات الشديدة بين الدولتين التركية والفارسية؛ وإذكاء الطائفية والعرقية، وإشعال النزاعات بين كل متجاورين من القبائل والشعوب الإسلامية. 4- إعطاء قطعٍ من البلاد الإسلامية لغير المسلمين. فأولاً: مناطق لليهود؛ وثانياً: أخرى للمسيحيين؛ وثالثاً: يزد للزرادشت الفارسيين، ورابعاً: العمارة للصابئة، وخامساً: كرمنشاه لطائفة أخرى. سادساً: الموصل لليزيدية، وسابعاً: الخليج للهندوك بعد أن يستوردوا كميات كبيرة من الهند، وثامناً: طرابلس للدروز، وتاسعاً، وعاشراً... الخ. 5- زرع الثقافات المزيَّفة في جسم بلاد الإسلام. 6- نشر الفساد بين المسلمين. 7- الاهتمام لزرع بعض الحكام الفاسدين في البلاد بحيث يكونون آلةً بيد الوزارة (وزارة المستعمرات). 8- منع اللغة العربية حسب الإمكان، وتوسيع اللغات غير العربية مثل: السنسكريتية والفارسية والكردية والبشتو؛ وإحياء اللغات الأصلية في البلاد العربية؛ وتوسيع نطاق اللهجات المحلية المتفرعة عن العربية، والتي توجب قطع العرب عن اللغة الفصحى التي هي لغة القرآن. وتستمر الخطط بين: زرع العملاء حول بعض الحكام، وتوسيع نطاق التبشير، بإدخال المبشرين على هيئة محاسبين وأطباء ومهندسين. وتمييع الشباب ونشر النوادي والجمعيات السرية من شباب اليهود لصيد الشباب المسلم، وإشعال الحروب والثورات الداخلية والحدودية بين المسلمين وغير المسلمين، وتحطيم اقتصاديات المسلمين، وإفشاء البطالة والمخدرات وغيرها. (انتهى الاختصار). لقد حاولتُ قد الإمكان اختصار الخطط التي اطلع عليها رجل المخابرات البريطانية -كما ورد في الكتاب المذكور- حتى تكتمل الصورة لدى القارئ ! وإذا ما حاولنا تلمُّس ما تحقق من تلك الخطط على أرض الواقع، وما هو في طريقة إلى التحقيق فإننا نجد الآتي: 1- لقد تحقق الاستيلاء على المنطقة الإسلامية. وقام الانتداب البريطاني والفرنسي في مواقع عديدة من العالم الإسلامي. ولئن دخل الروس بلاد المسلمين من خلال سيطرتهم على بعض البلاد الإسلامية في أواسط آسيا وحتى أفغانستان؛ إلا أن الظروف قد حالت دون وصولهم إلى بلدان الخليج إثر اختلاف المصالح الاستراتيجية ودخول الولايات المتحدة على الخط البريطاني/ الفرنسي بعد الحرب العالمية الثانية. 2- بالنسبة لمخطط إثارة النعرات وإذكاء الطائفية؛ فإن حالة "العداء" والتوجس بين الدول الإسلامية ما زالت ماثلة وواضحة. أما إشعال النزاعات بين كل بلدين متجاورين. فهذا أيضاً تحقق على أرض الواقع. فكم من الحروب قامت على إثر نزاع حدودي أو طائفي. مثلاً: حرب اليمن -نزاع كشمير -خلاف الصحراء بين المغرب وجيرانه -الحرب العراقية الإيرانية -غزو الكويت -بالإضافة إلى النزاعات الحدودية التي "وتّرت" علاقات الدول الإسلامية والعربية، وهي نزاعات لا حصر لها. كما أن ما يجري حالياً في العراق ولبنان من توجهات طائفية واضحة دليلٌ آخر على نجاح المخطط البريطاني المذكور. 3- بالنسبة لتمزيق البلاد الإسلامية، وإعطاء مناطق إسلامية وعربية لغير أهلها؛ فقد حصل أن اقتطع لواء أو منطقة من دولة وأُعطي لأخرى، كما قامت مشكلة "كشمير"، واليمن الشمالي والجنوبي، واحتلال إيران -حليفة بريطانيا والولايات المتحدة أيام الشاه- لجزر الإمارات الثلاث. والأبلغ من ذلك كله إعطاء اليهود أرض فلسطين العربية بناءً على مقترح بريطاني صاغه "بلفور" على هيئة وعد للصهاينة بإنشاء وطن لهم على أرض فلسطين. 4- أما بالنسبة لزرع الأديان المزيَّفة في بلاد الإسلام، ونشر الفساد بين المسلمين؛ فإن ما يجري من "تغريب" في ديموغرافيا المنطقة العربية واضح للعيان. وهناك بلدان عربية وإسلامية يكاد يكون أهلها أقلية مقارنة بملايين الوافدين. وهؤلاء يحملون معهم دياناتهم وثقافاتهم وطقوسهم وتراثهم، حتى أنواع مأكولاتهم -فهنالك السوبرماركت التايلاندي والهندي والباكستاني والفلبيني وغيرها- ناهيك عن السلوكيات والممارسات مثل إقامة النوادي الليلية الخاصة بغير المسلمين، والتي يمارس فيها ما يخرج عن قيم الإسلام. وصاحَبَ ذلك نشر العادات السيئة التي بلاشك تصيب المواطن المسلم -خصوصاً الشباب- عندما تتوفر حفلات الرقص والمخدرات ودروس الوعظ التي تتحول إلى ممارسات عقد وفك السحر والشعوذة؛ ومن نوادي المساج إلى أوكار البغاء وغيرها. نحن لا نقول كل الوافدين -والتنبيه مهم هنا- حتى لا نقع في المحظور كما وقع فيه آخرون قبلنا! نحن نخص الفئات الضالة التي تقوم بأفعال تتعارض مع منظومة القيم الإسلامية والعادات والتقاليد العربية. 5- أما بالنسبة لزرع بعض الحكام الفاسدين. فقد حفل التاريخ الإسلامي الحديث -خلال حكم الآستانة- بوجود حكام مسلمين قامت ثورات ضدهم؛ وخلعتهم الشعوب لأنهم كانوا سبباً رئيسياً من أسباب تخلف بلدانهم التي كانوا يحكمونها بدعم من المستعمر الأجنبي، الذي غطّى أعينهم عن مطالبات الشعوب الشرعية. 6- وبالنسبة لمنع اللغة العربية وتشجيع اللهجات المحلية. فإننا نلاحظ هذا الشيء يتخلَّق هذه الأيام عبر الفضائيات ومحطات الـF.M. وبعض ملاحق الصحف يطبع بلهجات عربية بعيدة عن البلدان التي تصدر فيها تلك الملاحق. وهذه قضية خطيرة جدا ً-وتحقق مآرب وزارة المستعمرات البريطانية بكل سهولة- فالفضائيات تحفل بالعديد من اللهجات العربية -غير المفهومة لدى كل المشاهدين- وتسمع في اليوم أكثر من خمس لهجات من فضائية واحدة. وهذا يجهض جهود إخواننا المُربِّين في المدارس والجامعات الذين يدرِّسون اللغة العربية. فإذا ما أضفنا تلك الظاهرة إلى تمسّك أطفالنا بلغات الحاضنات والخادمات؛ إضافة إلى لغة الكمبيوتر الشفاهية، فإننا في نهاية المطاف نقترب من تحقيق حلم وزارة المستعمرات البريطانية دون عناء!؟ وهكذا نجد أن جميع ما تم التخطيط له قد تحقق. فالحروب الطائفية تشتعل في بلاد المسلمين. وإعجاب الشباب بالمظاهر السلوكية الأجنبية يزداد، والحالة الاستهلاكية تنتشر، والبطالة تزيد، وتفرّغ الأوطانُ من المؤهلين القادرين على قيادة بلدانهم، وينحو التعليم نحو أنصاف الحلول -الدبلومات فقط- ويُحارب البحثُ العلمي وأصحابه! لذلك لا نجد سوى الصراخ بأن ما سيأتي سيكون أكبر.. وأنه لابد من حماية هذه الأمة؛ وإلا سيأتي يوم -لربما غير بعيد- تتلاشى هوية هذه الأمة وتضيع بين أوراق التاريخ!؟