هل تدرك الطريقة التي يستخدم بها الناس الأمثال الصينية لتوصيل معنى حكمة ما؟ حسناً إليكم هذه المقولة الأميركية القديمة التي أريد بها مخاطبة الكونجرس وهو يصدر كل هذا الأزيز والطنين من أجل إرغام الصين على رفع قيمة عملتها: "احذر ما تتمناه". فعلى إثر بلوغ الفائض التجاري الصيني حداً تجاوزت قيمته العام الماضي 232 مليار دولار، بينما تراجع معدل نمو الوظائف في القطاع الصناعي الأميركي نتيجة لخسارة نحو من ثلاثة ملايين وظيفة خلال العشر سنوات الماضية، فقد بادر بعض أعضاء الكونجرس إلى توجيه أصابع الاتهام فيما يحدث هنا إلى انخفاض قيمة عملة "اليوان" الصيني. وفي نظر هؤلاء أن هذا الانخفاض يجعل من أسعار البضائع والمنتجات الصينية من الانخفاض حداً غير عادل وتتعذر منافستها فيه. ولذلك فإن الحل في نظر هؤلاء سهل وبسيط للغاية، ويتمثل في أن تعمل بكين على زيادة قيمة عملتها. وفي حال رفضها القيام بهذا الإجراء، فإن على بكين أن تتوقع فرض عقوبات تجارية مشددة عليها. ولكن هل خطر لهؤلاء ما يمكن أن يسفر عنه الارتفاع الحقيقي لقيمة العملة الصينية؟ في اعتقادي الشخصي أنه لو علم هؤلاء بالنتائج التي يمكن أن يفضي إليها ارتفاع قيمة "اليوان" الصيني، لما أبدوا شيئاً من هذا الحرص الذي يبدونه الآن في طلبهم هذا. ولكي تتضح الفكرة جيداً، فلنفترض أن أعضاء الكونجرس قد أفلحوا في تحقيق مطلبهم هذا، وتمكنوا من دفع بكين وإرغامها على رفع قيمة عملتها. فما الذي يحدث بعد؟ قبل أن نجيب عن هذا السؤال، لا بد من الإقرار بأن الشيء الوحيد الذي لن يتحقق مطلقاً هو أن ارتفاع قيمة "اليوان" الصيني، لن يكون له أثر يذكر في خفض معدل العجز الحالي في الميزان التجاري الأميركي. وفيما لو ارتفعت كثيراً أسعار الصادرات الصينية، فإن من المرجح أن يتجه المصنعون والمنتجون إلى مواقع إنتاجية أرخص من الصين في القارة الآسيوية نفسها، مثل فيتنام على سبيل المثال. وللسبب نفسه، فإنه ليس متوقعاً لتعديل سعر العملة الصينية أن يسفر عن زيادة في حجم الوظائف في القطاع الصناعي الأميركي. وفي حين يظل محتملاً أن يؤدي إجراء التعديل في سعر العملة الصينية المطلوب إلى خسارة الصين لنسبة من وظائفها الحالية، إلا أن الرابح بالوظائف الجديدة في القطاع الصيني، سوف يكون من بين الدول الآسيوية نفسها، وليس خارجها بأية حال. بل والأسوأ من ذلك كله، أنه في وسع التعديل المفاجئ في سعر العملة الصينية أن يسفر عن عواقب جد وخيمة ولا يحمد عقباها في أوساط المجتمع الأميركي. وفيما يلي ثلاثة احتمالات لما أعنيه. ويتلخص الاحتمال الأول في ارتفاع قيمة رهن المنازل الأميركية. وعلى رغم كراهية الأميركيين لاحتمال حدوث شيء كهذا، فإن أحد التأثيرات الجانبية المحتملة للفائض التجاري الصيني، هو أن يطرأ تغيير في استثمار الصين لقسط أقل من مدخرات صادراتها في السندات المالية الأميركية. والشاهد أنها تمتلك ما يزيد على التريليون من تلك السندات، في الوقت الحالي. وبفضل هذه المشتريات، تسهم الصين في الإبقاء على قيمة الفوائد منخفضة، سواء كانت الفائدة المحسوبة للسندات، أم تلك الخاصة بالرهن العقاري. والمعروف أن الفوائد المحسوبة على الرهن العقاري، ترتبط أشد الارتباط بفوائد السندات المحسوبة على المدى البعيد عادة. لكن وفي حال خسارتها لعدد أكبر من الطلب والإقبال على صادراتها، فإنها سوف ترغم على شراء عدد أقل من تلك السندات المالية. بل ربما تضطر إلى تحويل المزيد من احتياطاتها النقدية إلى عملات أخرى غير الدولار الأميركي، من باب رد الصاع صاعين على واشنطن في حال إرغامها بكين على رفع قيمة عملتها دون رغبتها وإرادتها هي. أما العاقبة المترتبة عن كل هذه الإجراءات، فهي ترجيح حدوث ارتفاع لا مفر منه في نسبة الفوائد الأميركية. أما الاحتمال الثاني، فيتمثل في حدوث زيادة كبيرة غير مرغوب فيها في أسعار الوقود الأميركي. ذلك أن ارتفاع قيمة العملة الصينية لا يعني شيئاً آخر سوى ارتفاع قوتها الشرائية، ما يعني بدورها ترجيح اتجاهها لزيادة حجم وارداتها. ولكن يبقى السؤال: ما الذي سترغب الصين في استيراده أكثر من غيره من دول العالم الأخرى؟ وفي حدسي الشخصي، فإنها ليست بحاجة لاستيراد أي من المنتجات المحلية الكثيرة التي تكتظ بها بيوت مواطنيها. إذن تبقى السيارات الخاصة هي الاحتمال الأرجح، بالنظر إلى ضيق المزيد من المواطنين وتبرمهم من سوء خدمات المواصلات العامة في غالبية المدن الصينية الكبيرة. وبالنتيجة فقد ارتفعت نسبة مشتريات السيارات الخاصة هذه بمعدل 25 في المئة سنوياً. وما أن يرتفع سعر "اليوان" حتى يصحبه انخفاض في أسعار الوقود في محطات التزويد، ما يبرر رغبة المزيد من الصينيين في اقتناء السيارات الخاصة، وبالتالي زيادة استهلاك واستيراد الوقود الأجنبي. وبهذا نصل إلى العاقبة الثالثة والأخيرة التي ستترتب عن المطالبة برفع الصين لقيمة عملتها. وألخص هذه العاقبة، بالقول إن ارتفاع قيمة "اليوان"، سيكون ضربة البداية لانطلاق الصين في شراء الولايات المتحدة الأميركية كلها. ولا يظنن أحد أن في استنتاجي هذا ضرباً من المزحة أو الفكاهة لا أكثر. فالحقيقة أن تعديل سعر "اليوان"، سوف يكون الكارثة الكبرى الداهمة على بلادنا. ولكن من الغريب أن لا ينتبه أحد لهذا الخطر أو يأبه له! وبلغة الأرقام وحدها، فإن ارتفاعاً في سعر "اليوان" بنسبة 30 في المئة، يعني أن شراء كل شيء في أميركا، من العقارات والشركات والموانئ البحرية ومصافي النفط .. وكل شيء باختصار، سينخفض بنسبة 30 في المئة للمشتري الصيني، وبذلك تتحول بلادنا بأسرها إلى سلعة رخيصة متاحة أمام أصحاب "اليوان". فهل هذا هو ما يبتغيه الكونجرس حقاًِ؟!! آرثر كرويبر ــــــــــــــــ مدير إداري لمنظمة "دارجونوميكس" للبحوث الاقتصادية ــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"