يبدو أنه كتب علينا نحن دول مجلس التعاون الخليجي العيش مع الجارة إيران في بيئة ضاغطة تتسم بعدم الثقة والتصعيد والشك والريبة، حيث تقوم إيران بين الحين والآخر بتذكيرنا بقوتها وضعفنا. في الأسبوع الماضي عشنا عدة أحداث أعادت لذاكرتنا النشطة صورة إيران الساعية للهيمنة والتسيُّد. فبعد تصريحات علي شمخاني مستشار مرشد الثورة ووزير الدفاع السابق، ذي الأصول العربية، بأن إيران ستستهدف مواقع في دول مجلس التعاون كالمنشآت النفطية والأهداف الاستراتيجية والحيوية الأخرى، أعقب ذلك قبل أيام أيضاً ما ذكرته وزارة الخارجية من امتلاك إيران 100 كلغ من اليورانيوم المخصب، وإصرار طهران على تحدي الإجماع الدولي في سعيها لامتلاك قدرات نووية، على رغم قرارين من مجلس الأمن، وعلى رغم التهديد بالمزيد من العقوبات والاصطفاف الدولي ضدها. وقد أدلى مؤخراً وزير الخارجية المصري بتصريح ملفت متهماً السياسة الإيرانية في الشرق الأوسط بأنها تشكل تهديداً للأمن القومي المصري والعربي عبر تشجيع "حماس" للسيطرة على قطاع غزة، والانتشار الإيراني في العراق الذي يهدد الأمن القومي العربي. وأتى التصعيد الإيراني كذلك في طهران الأسبوع الماضي باعتداء من عناصر قيل إنهم من الحرس الثوري، حيث تعرض دبلوماسي كويتي للضرب بدون أية أسباب، وأمام مبنى السفارة الكويتية، ليوقظ كل ذلك الهواجس الكويتية ومعها الخليجية وإلى حد ما العربية، حول الدور الإيراني المتنامي الذي يسعى لتكريس طهران باعتبارها القوة المؤثرة والمتحكمة في مسار الأحداث من العراق إلى لبنان ومن اليمن إلى غزة. وهي نفسها التي تجلس مع الأميركيين لتتفاوض حول العراق، وتدعم "حماس" و"حزب الله" والحوثيين، وتؤثر على أمن الطاقة وأمن الخليج وأفغانستان. لقد صدم حادث الاعتداء على الدبلوماسي الكويتي الشعب والقيادة في الكويت، لأنه لم يمض سوى أسبوع على زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني لها، وهي التي أكدت -في طمأنة واضحة للجارة إيران- أن الكويت لن تسمح باستخدام أراضيها كمنطلق لشن أي هجوم عسكري ضد إيران، حتى لو طلبت واشنطن ذلك من الكويت. وقد أيقظ هذا الحادث تساؤلات ليست عند الكويتيين فحسب بل في المنطقة عامة عن النوايا الحقيقية لإيران. فالرسالة واضحة وهي أن إيران ستقوم بما تراه مناسباً لتكريس هيبتها ودورها وطموحها، وبما يخدم مشروعها ومصالحها. ولو كان ذلك على حساب الأمن القومي لدول المنطقة، سواء كان ذلك بشكل فردي أم جماعي. والحقيقة أن حادثة التعرض للدبلوماسي الكويتي في طهران التي وصفها رئيس الوزراء الكويتي بأنها أساءت للعلاقات بين البلدين، فيما وصفها وزير الخارجية بأنها "اعتداء على الكويت وتهديد للعلاقات العربية- الإيرانية"، تأتي لتوقظ الهواجس الخليجية المستمرة، التي طبعت علاقات دول مجلس التعاون الخليجي مع إيران منذ عهد الشاه وإلى عهد النظام الحالي. وفيما يحرص الطرفان على التأكيد الدائم على التعاون والثقة، إلا أن الطرف الخليجي هو الذي يتقيد بذلك، فيما إيران لا تلتزم به. ومن هذا المنظور يمكن اعتبار زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للكويت في فبراير 2006، وزيارته مؤخراً لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي لا تزال إيران تحتل جزرها الثلاث منذ أيام الشاه، أتت لتكرس النهج الإيراني الذي ينادي بالتعاون، ولكنه لا يقوم بما يطمئننا وينزع فتيل عدم الثقة والاحتلال. من حقنا في دول مجلس التعاون الخليجي، والدول العربية الأخرى، أن نثير أسئلة عن أهداف إيران، وهي أسئلة باتت على لسان مسؤولي أكبر دولة عربية. وإذا كانت طهران تهدد الأمن القومي العربي، فكيف سنرضى بأن تكون دولة لديها صفة "المراقب" في جامعة الدول العربية؟ ثم، إذا كان هذا هو تصرف إيران الجارة المسلمة مع أصدقائها الذين تربطهم معها علاقات مميزة كالكويت، فماذا سيكون تصرفها مع خصومها؟ ولماذا تبدي حماساً كبيراً لإعادة علاقتها مع مصر وليبيا؟ ألم يحن الوقت لمبادرة أو موقف عربي موحد يتعامل مع النظام الإيراني وحساباته ورهاناته؟ خاصة في ظل احتمالات مواجهة، أو صفقة تلوح في الأفق، بين واشنطن وطهران ستكون بكلا الحالين على حساب الأمن القومي العربي بأسره. هذه أسئلة عديدة برسم العرب من الخليج إلى المحيط، الذين عليهم المبادرة إلى تقديم موقف موحد ومشروع عربي يتصدى للمشروعين الإيراني الناشط، والأميركي المتراجع، ويملأ الفراغ الاستراتيجي والانكشاف الواضح الذي يعاني منه النظام الأمني العربي من الخليج إلى المحيط؟