في نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية وبالتعاون مع التحالف الدولي لوقف انتشار مرض السل (Stop TB Partnership)، عن خطة عمل دولية، تنفذ على مدار العامين القادمين، وتهدف لتحقيق الوقاية لمئات الآلاف من الأشخاص ضد الإصابة بالمرض، مع تفعيل الإجراءات الكفيلة بإنقاذ حياة 134 ألفاً آخرين. خطة العمل هذه، والمعنية بمكافحة النوعين الخطيرين من المرض، النوع المقاوم لعدة عقاقير، والنوع واسع المقاومة للعقاقير (MDR-TB and XDR-TB Response Plan 2007-2008)، تتضمن الإرشادات والإجراءات الضرورية للوقاية ومنع الإصابة، وتوفير العلاج الفعال وسبل التحكم، ضد هذين النوعين. وتعتبر هذه الخطة هي بداية الجهود الدولية، الهادفة بحلول عام 2015 إلى توفير الأدوية والفحوصات الطبية الضرورية لجميع مرضى السل، سواء النوع المقاوم لعدة عقاقير أو النوع شديد المقاومة للعقاقير المستخدمة في علاج السل، وهو الهدف الذي إذا ما تحقق فمن شأنه أن ينقذ حياة 1.2 مليون شخص. ولإدراك أهمية هذه الخطة، وحجم المشكلة التي تحاول التعامل معها، لابد وأن نسترجع بعض الحقائق الأساسية عن مشكلة مرض السل، وفداحة الثمن الذي تدفعه البشرية حالياً لهذا المرض اللعين. هذه الحقائق هي: 1) السل مرض مُعدٍ، ينتقل عن طريق الهواء. وإذا لم يخضع المريض للعلاج، يمكنه أن ينقل المرض إلى عشرة أو خمسة عشر شخصاً آخرين كل عام. 2) يتفشَّى الميكروب المسبب لمرض السل في أجساد ملياري شخص، أو ما يعادل ثلث الجنس البشري برمته. وواحد من كل عشرة من هؤلاء، أو ما يعادل 200 مليون شخص، سوف يصاب بالمرض في صورته الكاملة في مرحلة ما من حياته. 3) في عام 2005 فقط، توفي 1.6 مليون إنسان بسبب السل، أو ما يعادل 4400 وفاة يومياً. والغالبية العظمى من هذه الوفيات، كانت في دول العالم الثالث، وحظيت قارة آسيا وحدها بنصف هذه الوفيات. فالسل إلى حد كبير هو مرض الفقراء، ويصيب غالباً صغار السن والشباب في ذروة سنوات إنتاجيتهم. 4) السل هو القاتل الرئيسي لمرضى الإيدز، بسبب ضعف جهاز المناعة لديهم. حيث يقتل ميكروب السل أكثر من 200 ألف سنوياً من المصابين بفيروس الإيدز. 5) في عام 2005 وحده، سجلت 8.8 مليون حالة إصابة جديدة بالمرض، ثمانون في المئة منهم كانوا في 22 دولة فقط من دول العالم. وعلى رغم أن النسبة المئوية لمعدل انتشار المرض تشهد حالياً ثباتاً أو انخفاضاً في جميع مناطق العالم، إلا أن إجمالي عدد الحالات يشهد تزايداً مطرداً في الدول الأفريقية، ودول شرق البحر المتوسط، ودول جنوب شرق آسيا. 6) السل أصبح حالياً وباءً عالمياً (Pandemic). وعلى رغم أن أفريقيا تضم أعلى نسبة مئوية من الإصابات بين السكان (ما يعادل 28% من جميع حالات السل حول العالم) إلا أن نصف الحالات الجديدة يظهر حالياً في ست دول آسيوية فقط، هي بنجلاديش، والصين، والهند، وإندونيسيا، وباكستان، والفلبين. 7) السل المقاوم لعدة عقاقير (Multidrug-resistant TB) أو اختصاراً (MDR-TB)، هو نوع من السل لا يستجيب للعلاج باستخدام الخط الأول من العقاقير القادرة على قتل الميكروب. هذا النوع يتواجد تقريباً في جميع الدول التي خضعت مؤخراً لدراسة مسحية من قبل منظمة الصحة العالمية وشركائها الدوليين. 8) في كل عام، تظهر أكثر من 450 ألف حالة إصابة بالسل المقاوم لعدة عقاقير. النسبة الكبرى من هذه الحالات تظهر في الصين، ودول الاتحاد السوفييتي السابق. أما النوع الآخر من السل، أو النوع شديد المقاومة (Extensively drug-resistant TB) أو اختصاراً (XDR-TB)، فيحدث عند نجاح الميكروب في مقاومة الخط الأول والخط الثاني من العقاقير. ومؤخراً بدأت الحالات المصابة بهذا النوع في الظهور في جنوب أفريقيا وبقية مناطق العالم، وهي الحالات التي تشكل صعوبة بالغة في العلاج. 9) تهدف استراتيجية منظمة الصحة العالمية ضد السل إلى توفير العلاج لجميع المرضى، وتحقيق الهدف المنصوص عليه ضمن أهداف الألفية للتنمية (Millennium Development Goals)، وبالتحديد: خفض معدلات انتشار المرض والوفيات الناتجة عنه بحلول عام 2015، بمقدار 50% عما كانت عليه عام 1990. هذه الاستراتيجية تركز على الحاجة إلى توفير نظم رعاية صحية ملائمة، وأهمية الرعاية الصحية الأولية الفعالة في مكافحة وباء السل. 10) تسعى الخطة الدولية لمكافحة السل (global Plan to Stop TB 2006-2015)، والتي تم إطلاقها في يناير من عام 2006، إلى تحقيق هدف الألفية للتنمية من خلال إنفاق 56 مليار دولار على مكافحة المرض، وهو ما يشكل زيادة قدرها ثلاثة أضعاف ما خصصه المجتمع الدولي في عام 2005. وهذا المبلغ على رغم ضخامته، يقل بمقدار 31 مليار دولار عما يحتاجه العالم لوقف انتشار وباء السل. وأمام هذه الحقائق، تتضح بشكل جلي خطورة الموقف الذي يواجه الأمن الصحي العالمي. وتصبح خطة العمل الدولية التي أُعلن عنها قبل أيام، ضرورة ملحة لحصار الأنواع المقاومة من المرض. فمن غير هذه الخطة، سيتزايد انتشار هذه الأنواع إلى جميع دول ومناطق العالم بدون استثناء، وهو ما سيعتبر ردة إلى عصر ما قبل اكتشاف المضادات الحيوية. في هذا السيناريو، ودون توفر علاج فعال، سيسقط سنوياً ملايين البشر ضحايا، لواحد من أقدم وأكثر الأمراض التي عرفها الإنسان عناداً.