محمد خلفان الصوافي أكبر خطر يواجه العالم العربي الآن في ما يحدث من اقتتال عربي- عربي، هو عدم الاهتمام وعدم المبالاة من الرأي العام العربي، بل الأخطر من ذلك كله هو، عدم اعترافنا، كأفراد، بأن الذي يحصل من "الجماعات المتطرفة" بمختلف أشكالها، هو خروج على القانون والشرعية تحت شعارات، براقة في معناها ولكن حقيقة لا تخدمها، وعادة ما تكون القضية الفلسطينية. واليوم ترتكب أكبر جريمة في حق الشعب العربي، نتيجة انتشار فوضى العنف في العالم العربي وسوف يدفع العرب، أفراداً ومسؤولين، الثمن غالياً إن لم يضعوا خطاً فاصلاً بين الاقتتال الداخلي والدفاع عن المصالح الوطنية للدول. الاقتتال بين أبناء الدولة الواحدة، يمر دون أن يثير أي استغراب أو انفعال أو دهشة، أو حتى متابعة تلفزيونية؛ فبعض مذيعي القنوات التلفزيونية تعبوا وبدت إدارتهم للحوار حول تلك الحروب باهتة أيضاً، وكأن معرفة ما يحصل لم تعد مهمة، وهذا يرجع لشيئين: أولهما، أن العنف التصق بالمرء العربي في كافة مراحل حياته، وبات يمثل أحد أنماط حياته اليومية، لأنه المجال الوحيد الذي يمكن أن يفرغ فيه طاقته. الشيء الثاني، أن العنف الاجتماعي، بكل مستوياته، المنزل، القرية، المجتمع، المدرسة الدولة، كأنها "هواية عربية" ولعبة يستمتع بها، خاصة لمن لا تردعه قوة أو تقف في وجه سلطة لأنه يفتقد الشعور بالمسؤولية. قد يكون مقبولاً إذا كان القتال الحاصل ضد عدو، ولكن القتال داخل الدولة وبين أبنائها هذا هو الخطأ وهو المرفوض منطقياً وعملياً ودينياً. وغير المقبول أيضاً، ذلك الانتشار الجغرافي في كل البقاع العربية، العنف الآن يشمل أغلب الدول العربية، في إشارة إلى أنه قد تجاوز الحدود والمنطق. نظرة خاطفة لما يشهده العالم العربي الآن، من بعض ظواهر الانفلات الأمني وتجاوز الخطوط الحمراء يؤكد أن هناك خللاً ما يحتاج إلى علاج؛ البعض يلوم التركيبة البنيوية للنظام العربي، وهو عدا العنف "الخشن"، الاعتقالات والسجون والعنف الجسدي بأشكاله كافة، هناك العنف "الناعم" المتمثل في الفقر والمستوى المعيشي المتدني والسكن في "بيوت الصفيح" والبطالة، والبعض يربطها حتى بالماء النظيف، وهذا الخلل يوازي القدر نفسه ما نراه الآن على الساحة العربية في القتال من استبسال وتصميم، وهو ما يدعو للأسف والحسرة. ويرجع البعض الآخر إلى التنشئة الاجتماعية، فهي التي ثبتت "سمة العنف" وغرستها بطريقة أصبحت عادة يومية، وصار حين ينتقل الفرد العربي من مستوى الخلية الصغيرة "الأسرة"، ليعش في بيئة أوسع وأكبر يجد الحال لا يختلف كثيراً. يشعر الواحد منا بالحزن والأسى، وهو يتابع على القنوات التلفزيونية عمليات الاقتتال لأنها إهدار لطاقة الشباب العربي في شيء لا يخدمه ولا يخدم دولته ولا قضاياه الكبرى، وكذلك حين يتناسى البعض عن عمد وقصد بأن هذا الاقتتال لا يخدم مصلحة الشعوب العربية. تحولت الدول العربية إلى ما يشبه ساحات للاقتتال بكل الأسلحة، اللفظية والمدافع. أما الغائب الوحيد عن تلك العمليات، فهي الأصوات التي تنادي بالتهدئة وضبط الفوضى وبات أن الذي يحدث ظاهرة سنوية ودوامة تبدأ، بالمرء العربي، من يوم مولده وتستمر معه إلى مماته، حتى صار الأمر بالنسبة للمراقب ليس له بداية كما ليس له نهاية. الصفة الغالبة على الفرد العربي العنف في كل مراحل حياته وعلى مختلف الميادين التي يتعامل معها خلال حياته الخاصة أو العامة. والغريب أنه يتم ممارستها على اعتبار أنها الدعامة الأساسية للاستقرار واستقطاب الهدوء والسلام، حتى أصبح المواطن العربي لا يستطيع العيش من دونه. هناك حقيقتان واستنتاج واحد؛ الحقيقتان: أن انتشار العنف داخل الأقطار العربية أصبح ملموساً. والحقيقة الثانية أن هذا العنف بات أقوى من أي صوت آخر ينادي بالسلام الاجتماعي. أما الاستنتاج فهو أن العنف، إرث عربي تتوارثه الأجيال. ولكن لا يمكن الجزم بأن التركيبة العربية فيها "جينات تحمل العنف"، لأن حاله من حال باقي شعوب العالم، يحتاج أن يعيش في سلام.