كانت بداية الحوار حول أسرار القلب البشري والاكتشافات العلمية الجديدة لوظائفه الشبيهة بوظائف المخ قرار اتخذه طبيبي المعالج أستاذ الطب المتخصص في القلب بضرورة دخولي غرفة القسطرة لاكتشاف وتشخيص حالة قلبي. بدأ الحوار في غرفة الاستقبال بوحدة القسطرة حيث يجري تحضير المريض وجدت نفسي محاطاً بشبان وشابات من الأطباء بعضهم يحقنني بمواد مضادة للحساسية، والآخر يأخذ قياسات الضغط ورسم القلب، والثالث يناقشني في تاريخي الطبي وفي الشكوى التي أشعر بها. وسط هذا الحصار، أطل عليّ شاب تبين أنه الطبيب المشرف على غرفة التحضير ليقول: مرحباً بكاتبنا العزيز، أنا اقرأ مقالاتك بالصحف، وبالمناسبة أنا أؤيدك في رؤيتك بمقال الأمس بـ"المصري اليوم" حول عروبة مصر ومصرية العرب. شعرت بأن الحصار الطبي قد انفرج قليلاً وتبادلت مع الطبيب الشاب عبارات التقدير وتواعدنا أن نتحاور بعد خروجي من غرفة القسطرة، بعد نصف ساعة من وجودي في عملية القسطرة حيث كنت يقظاً أتفرج على حركة شرايين قلبي، وأستاذ الطب يشرح لي كيف أن كل شيء "تمام"، وكيف تعمل الشرايين بكفاءة، خرجت لأجد الطبيب الشاب في غرفة الاستقبال حيث يجب أن أقضي عدة ساعات تحت الرقابة الطبية. بدأت الحوار بسؤال الطبيب عن صحة الأخبار التي ترددت أخيراً حول أن جامعة "كاليفورنيا - بيركلي" قد توصلت إلى أن عضلة القلب ليست مجرد مضخة للدم، بل إنها تحتوي على خلايا عصبية مثل خلايا المخ، وأن عدد هذه الخلايا في القلب يبلغ ثلث عددها في المخ البالغ 30 مليون خلية، وأن القلب هو المسؤول عن تسجيل الانطباعات الأولى والتفاعل الأولي مع المواقف المختلفة من فرح أو خوف أو قلق أو اطمئنان، وما إلى ذلك، ثم إعطاء التعليمات للمخ للتحرك في الاتجاه المطلوب وتحريك سائر أعضاء الجسم للقيام بالاستجابة المطلوبة. قال الطبيب الشاب: لا يمكن استبعاد هذه الوظيفة للقلب، وإن النظر في آيات القرآن الكريم يؤكد وجود وظائف فكرية وعاطفية وشعورية للقلب، وإنه علينا أن نتأهب في القرن الجديد لاكتشافات واسعة في عالم الجسم البشري. قلت للطبيب لقد شاهدت فيلماً وثائقياً أميركياً يكشف كيف توصل علماء جامعة "بيركلي" إلى هذا الاكتشاف عن وظائف القلب، حيث بدأ الأمر بأن تلقت وحدات زرع القلب في المستشفيات ملاحظات من المرضى الذين حصلوا على قلوب جديدة من متبرعين انتقلوا إلى رحاب ربهم. كانت الملاحظات تدور حول محور واحد وهو شعور متلقي القلب بأن عاداته وطباعه وأفكاره قد تغيرت على نحو ملموس. مثلاً قالت سيدة إنها كانت طوال حياتها تكره ركوب الطائرات وتخافه وبعد ستة شهور من زرع قلبها الجديد وجدت نفسها في حالة لهفة لممارسة رياضة الطيران الشراعي. وقال عامل في أحد المصانع الأميركية إنه على علاقة نفور بالكتابة حتى بكتابة الخطابات طوال حياته غير أنه اكتشف بعد حصوله على القلب الجديد أنه يميل إلى كتابة الشعر الجميل. قال الطبيب الشاب: نعم لقد بدأت الأبحاث عندما تلقت وحدات زرع القلب هذه الملاحظات بجدية، فالنظام لا يسمح بالإهمال. في البداية، قال الجراحون إنه ليس لديهم تفسير وحولوا الأمر إلى الأخصائي النفسي، حيث إن القلب من وجهة نظرهم مجرد مضخة للدم، ولا يمكن أن يكون مخزناً للخبرات أو الانطباعات أو الأفكار. لم يكتفِ الطبيب النفسي بالاستماع إلى ملاحظات الحاصلين على قلوب جديدة، بل قام بمراجعة عائلات المتبرعين المتوفيين بتلك القلوب، ولشدة دهشته اكتشف أن الخبرات الجديدة كانت هوايات وأعمال الأشخاص المتبرعين موثقة في تاريخ حياتهم. ومن خلال تقرير الطبيب النفسي، تم تطوير البحوث للكشف عن الخلايا الشبيهة بخلايا المخ في القلب. قلت للطبيب: لقد نبهتني إلى أن آيات القرآن الكريم تبيّن وجود وظائف شعورية وفكرية للقلب مثل إلقاء الوجل في القلوب، ومثل اطمئنان القلوب، وكذلك فإن السُّنة النبوية والخبرة الشعبية مليئة بالمأثورات الدالة على أن القلب يقوم بوظائف من عقلية وعاطفية مثل "الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل"، وهذا النوع من المأثورات موجود لدى جميع الشعوب وفي كل اللغات، حيث يُوصف الشخص القاسي بأنه لا قلب له مثلاً، أما العطوف فيُقال إنه عطوف القلب.. فهل الاكتشافات العلمية هنا تؤكد المعرفة الدينية والشعبية؟ قال الطبيب: ليست هذه هي المرة الأولى التي تسبق فيها المعرفة الدينية وخبرة الشعوب الكشوف التطبيقية.