عندما أشارت إحدى المنظمات البريطانية المهتمة بعمالة الأطفال إلى أن بعض عمال المصانع في الصين لا يتجاوز عمرهم 12 سنة، وهم يكدون لإنتاج تذكارات مرخصة من قبل السلطات الصينية وموجهة للألعاب الأولمبية لعام 2008، جاء رد الفعل الصيني سريعاً. فقد أعلن المسؤولون في بكين عن نيتهم التعامل بحزم مع المصانع التي تنتهك القوانين الصينية الصارمة فيما يتعلق بعمالة الأطفال. بيد أن الصورة السلبية التي رسمها تقرير المنظمة البريطانية بشأن عمالة الأطفال في الصين تجاوزت الأغراض المرتبطة بالألعاب الأولمبية، بل جاءت في وقت تسعى فيه الصين جاهدة لتلميع صورتها وتحسين سمعتها على الساحة الدولية قبيل تنظيم التظاهرة الرياضية الأشهر في العالم. ويرى بعض المراقبين أن التقرير الأخير يكشف إحدى نقاط الضعف في السجل الصيني الذي عرف عنه التزامه بقوانين عمالة الأطفال وعدم انتهاكها، لاسيما وأن الظاهرة بدأت تتراجع على المستوى العالمي. لكن "تحالف بلايفير"، المنظمة التي تعنى بمراقبة عمالة الأطفال في المصانع الموجهة لإنتاج الأغراض الرياضية، أعلن في التقرير أن عمالة الأطفال في الصين ليست قاصرة على المصانع القليلة التي تنتج الأغراض الرياضية المختلفة وتذكارات الألعاب الأولمبية، بل تمتد إلى أبعد من ذلك بسبب النقص في العمالة الذي تعاني منه المصانع الصينية من جهة، وتفشي الفقر في المناطق الريفية من جهة أخرى. وفي مسح آخر أجرته "نشرة العمالة الصينية" في هونج كونج أشارت إلى العدد المتنامي لعمالة الأطفال في العديد من المدن الصينية الصغيرة، بحيث يؤدي نقص التمويل للمدارس، فضلاً عن النسبة العالية للتسرب المدرسي إلى توجه عدد كبير من الأطفال إلى العمل حتى قبل السن الذي يسمح به القانون. وحسب التقرير يدخل الأطفال ما بين 13 و14 و15 سنة، الذين لم يبلغوا سن 16 سنة القانونية، إلى سوق العمل، لاسيما في البلدات الصغيرة المنتشرة على امتداد الريف الصيني الشاسع في ظل تغافل أصحاب المصانع عن الظاهرة. وقد جاء في النشرة الصينية لعمالة الأطفال أنه "بالنظر إلى نتائج المسوحات والتقارير التي تبثها وسائل الإعلام... لا نعتقد أن عمالة الأطفال في الصين تم القضاء عليها على نحو فعال". ومن ناحيتها أعلنت منظمة العمل الدولية في دراسة قامت بها في عام 2006 أن عمالة الأطفال شهدت خلال الأربع سنوات الأخيرة تراجعاً بنسبة 11% على الصعيد العالمي. لكن على رغم الدراسات التي أجريت مؤخراً يتعذر الحصول على أرقام دقيقة عن حجم عمالة الأطفال في الصين، بحيث يستحيل إجراء مقارنات في هذا المجال. فالسلطات الصينية تعتبر المسألة حساسة، وهي لا تسمح للمنظمات الدولية بإجراء تحقيقات ميدانية لكشف حالات عمالة الأطفال ومدى انتشارها في المدن الصينية. وفي ظل شح المعلومات بشأن العدد الحقيقي للأطفال الذي يعملون في الصين دون السن القانونية تعتمد جماعات حقوق الأطفال والمنظمات المهتمة على معلومات متفرقة يتم جمعها من خلال الحديث إلى أصحاب المصانع والعائلات، فضلاً عن السلطات في المدارس. وتكشف تلك المعلومات عن تنامي جيوب عمالة الأطفال، لاسيما في المناطق الفقيرة، وفي المصانع التي تتعاقد مع منتجين عالميين. وفي هذا السياق يقول "روبين مونرو"، مدير الأبحاث في نشرة العمل الصينية "إننا لم نقم بدراسة على الصعيد الوطني، لكننا نعتبر أن المشكلة تكتسي صبغة وطنية تستحق الاهتمام من الحكومة الصينية". وعلى رغم توالي الاتهامات الجديدة بانتهاك قانون عمالة الأطفال، في الصين يشكك المسؤولون في مصداقية التقارير، لذا ترى "كونستونس توماس"، مديرة منظمة العمل الدولية في كل من الصين ومنغوليا، أنه من دون إجراء دراسة وافية على الصعيد الوطني لمعرفة مدى تجذر المشكلة لا يمكننا معرفة ما يجري على أرض الواقع. ومع أن السيدة "توماس" حاولت جاهدة إقناع السلطات الصينية بضرورة الانخراط في حملة للتوعية، إلا أن مجرد الإشارة إلى عمالة الأطفال في الصين يعد أمراً بالغ الحساسية. ولا ترى "توماس" أن عمالة الأطفال بلغت حداً كبيراً في الصين مقارنة مع بلدان أخرى مثل باكستان والهند، حيث يعتبر تشغيل أطفال هناك ما بين 8 و9 سنوات أمراً شائعاً. وبالقياس مع تلك الدول تقوم الصين بعمل جيد، حسب مديرة منظمة العمل الدولية في الصين. بيد أن "كونستونس توماس" تعبر عن خوفها قائلة "أخشى من أن تتزايد تلك الجيوب مع مرور الوقت وتتحول إلى ظاهرة منتشرة على نطاق واسع". وتضيف أنه على السلطات الصينية أن تضاعف جهودها لمنع تنامي تلك الجيوب، لاسيما في ظل وجود عوامل مساعدة على اتساعها مثل النقص في العمالة، فضلاً عن ميل المصانع الخاصة إلى الاعتماد على الأطفال وانتهاك القوانين، خلافاً للمصانع التي تملكها الدولة. وتتوفر الصين على أكثر من 200 مليون عامل هاجروا من القرى إلى المدن الكبرى للعمل في المصانع تاركين وراءهم ما لا يقل عن 20 مليون طفل عند أقاربهم في الريف. لكن هؤلاء الأطفال يُزج بهم إلى العمل ما أن يبلغوا سن المراهقة، وحتى بالنسبة للذين يرحلون مع آبائهم إلى المدن فإنهم غالباً ما يضطرون إلى العمل بسبب رسوم الدراسة التي تفوق إمكاناتهم المحدودة. ـــــــــــــــــــ مراسلة "كريستيان ساينس مونيتور" في الصين ـــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"