عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، يُركز المرشحون لانتخابات 2008 الرئاسية بشكل كامل تقريباً على الشرق الأوسط. والواقع أنه أمر يمكن تفهمه نظراً للنقاش العمومي الدائر بشأن التدخل الأميركي في العراق. غير أن قصر النظر هذا أمر محزن جداً، على اعتبار أن ثمة عالماً آخر إلى جانب الشرق الأوسط، عالماً له أيضاً نصيبه من المشاكل العويصة والنقاط الساخنة التي لا يمكن أن يتجاهلها الجمهور والرئيس الأميركي المقبل. ولذلك، فمن الضروري أن يطرح الناخبون ووسائل الإعلام أسئلة صعبة حول مواضيع مختلفة غير تلك المرتبطة بالشرق الأوسط، ومن ذلك: كيف يجدر بالولايات المتحدة القيام بالتالي: أن تحافظ على توازن القوى في شرق آسيا. وأن ترد في حال قامت الصين باختبار صاروخ ثانٍ مضاد للأقمار الاصطناعية، وأن ترد على عمل عسكري صيني ضد تايوان؟ ذلك أنه في حال قامت الصين بعمل عسكري ضد تايوان، سيتعين على الرئيس الأميركي المقبل أن يرد على ذلك في غضون ساعات -وليس أيام- ويقرر ما إن كانت الولايات المتحدة ستفي بـ"قانون العلاقات مع تايوان"، وما إن كانت ستتدخل عسكرياً في النزاع. أما بخصوص المناطق الأخرى من العالم، فعلينا أن نسأل المرشحين الرئاسيين أيضاً بشأن الكيفية التي يعتزمون بها ضمان استمرار أوكرانيا المنقسِمة سياسياً في جهودها الرامية إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بدلاً من التقرب من روسيا. وكيف ينبغي أن يكون رد فعل الولايات المتحدة على ازدياد سلطوية روسيا، علماً بأنها تتوفر على ثاني أكبر احتياطيات النفط في العالم، وبأن سيبيريا تزخر بالمعادن والمواد الخام التي لم تُستغل بعد، وبأن روسيا قوة عسكرية عالمية؟ وكيف ينبغي أن تكون ردة فعل الولايات المتحدة في حال قامت روسيا بتهديد بولندا ضمنياً لأنها قبلت إقامة نظام دفاعي مضاد للصواريخ الباليستية على أراضيها؟ وفي حال نشوء صراع بين كوسوفو وصربيا -قد يشمل روسيا- كيف سيكون موقف الولايات المتحدة؟ وماذا عن حلف "الناتو"؟ وهل يجدر بالولايات المتحدة أن تلح على مساهمة أوروبية أكبر من حيث المال والرجال؟ والواقع أن الأسئلة نفسها يمكن طرحها بخصوص الأمم المتحدة. ثم أي سياسة يجدر بالولايات المتحدة أن تتبناها تجاه الهند، التي تعد ثاني أكبر بلد من حيث عدد السكان في العالم، وتتوفر على اقتصاد ينمو بسرعة وجيش ذي قدرات متزايدة، مع العلم في الوقت نفسه، بأن لها نزاعاً حدودياً مستمراً مع باكستان، التي تعد حليفاً للولايات المتحدة في حربها ضد فلول "طالبان"؟ وهل يجدر بالولايات المتحدة أن تشجع اليابان على تطوير أسلحة نووية في حال تخلفت كوريا الشمالية عما تعهدت به من تخلٍّ عن برنامج الأسلحة النووية؟ وهل يجدر بها أن تواصل سياسة خفض عدد قواتها المرابطة في كوريا الجنوبية، مع العلم في الوقت نفسه بأن كوريا الجنوبية تدرس حالياً فكرة خفض عدد قواتها العاملة والاحتياطية؟ وإذا كان كلا البلدين يشدد على أن بنية القوة الجديدة ستكون أكثر قدرة وفعالية مقارنة مع البنية الحالية، فهل الأمر كذلك بالفعل؟ إلى ذلك، تثير مناطق أخرى من العالم عدداً من الأسئلة الصعبة الأخرى، ومن ذلك النصف الغربي من الكرة الأرضية. فعلى سبيل المثال، هل يجدر بالولايات المتحدة أن ترفع الحظر الذي تفرضه على كوبا؟ وهل من شأن خطوة من هذا القبيل أن تلمع صورتها في أميركا الوسطى وأميركا الجنوبية، أم سيُنظر إليها على أنها مؤشر ضعف؟ وكيف يجدر بالولايات المتحدة أن ترد على الحركات اليسارية/ الشعبوية المتنامية مثل الحركة القائمة في فنزويلا؟ وهل ستستمر الولايات المتحدة في إنفاق مليارات الدولارات على محاربة تجارة المخدرات في كولومبيا؟ هذه الأسئلة هي بعض فقط من المواضيع الأساسية التي يجب على الرئيس المقبل للولايات المتحدة أن يواجهها. قد يقول بعض المراقبين إن الرؤساء اليوم ليسوا مُجبرين على الإلمام بكل هذه التعقيدات، على اعتبار أن البيت الأبيض يتوفر على فِرق من الخبراء والمستشارين الذين يقدمون توصياتهم ومشوراتهم للرئيس بخصوص جميع سيناريوهات السياسة الخارجية الممكنة. والحال أن هذا العذر يسيء فهم طبيعة الزعامة الحقيقية. ذلك أن على القائد الأعلى للقوات المسلحة أن يكون مطلعاً على جميع مواضيع السياسة الخارجية الرئيسية؛ وبعد ذلك يأتي دور المستشارين لمناقشة التفاصيل وتحديد الخيارات. ومثلما تمت الإشارة إلى ذلك كثيراً، فإن الرؤساء الأميركيين قد يجدون أنفسهم في متاعب حقيقية عندما يعتمدون اعتماداً كلياً على المستشارين بخصوص المشاكل والمواضيع غير المألوفة. الحقيقة أنه طالما أن أسئلة السياسة الخارجية -سواء في المناظرات التلفزيونية أو في المطاعم في ولاية آيوا- لا تتجاوز حرب العراق، فإن المرشحين أنفسهم لن يميلوا إلى مناقشة الكثير من المشاكل العالمية الكبرى الأخرى التي تواجه الولايات المتحدة. ولهذا يجب على وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت الشخصية والناخبين أن يتحدُّوا المرشحين بأسئلة حول السياسة الخارجية غير تلك المرتبطة بالشرق الأوسط. ولنتخيل هنا تعبير وجه أحد المرشحين إذا ما سُئل سؤالا من قبيل: "ما هو موقفك بخصوص إقامة الولايات المتحدة لقواعد جوية وحضور عسكري في طاجيكستان وقيرغيزستان؟"، أو "ما هي الفكرة من وراء هذه القواعد أصلاً؟". الهدف هنا ليس تعجيز أو إحراج المرشحين، بل هو هدف تُحركه الرغبة في التوفر على مرشحين رئاسيين وجمهور على اطلاع بأهم قضايا العالم. ـــــــــــــــــــــــ زميل معهد "ستروم" ثورموند للإدارة الحكومية والشؤون العامة التابع لجامعة "كليمسون" ـــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"