كغيري من المتابعين للأنباء من حولي، ذُهلت لتصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين المتزامنة، والتي هددت بحرق الخليج إذا ما تعرضت إيران لهجوم أميركي. ومع تقديري لنفي السيد شمخاني لـ"قناة العربية" صحة ما نسبته له "التايمز" بشأن ضرب المنشآت النفطية لدول الخليج، إلا أن نفس النبرة صرح بها أكثر من مسؤول عبر وسائط مختلفة. هذا التصعيد الإيراني الأخير، جاء مغايراً لكل التوقعات الخليجية من تطور العلاقات مع الجارة إيران وبالذات بعد الزيارة التاريخية، التي قام بها الرئيس الإيراني، والتي أكد خلالها عمق العلاقة بين ضفتي الخليج، لما يربط الدول من علاقات الجيرة والمصالح الاقتصادية المشتركة. وإذا كانت دول الخليج مجمعة على أن أزمة إيران مع العالم الغربي حول مشروعها النووي مسألة ينبغي التعامل معها بالطرق السلمية لما فيه خير العالم والمنطقة، فإن التصريحات الأخيرة تثير قلقاً مبرراً في المنطقة، مما دفع الشيخ خالد آل خليفة، عضو مجلس الشورى البحريني، إلى الدعوة لإقامة حلف "خليجي- أطلسي" لردع إيران، وأكد على ضرورة وجود "الناتو" في الخليج، وإيجاد أكثر من قوة بالمنطقة لمنع خطط إيران من مواصلة السيطرة على الخليج. فإن كانت إيران جادة في رغبتها بالسلام مع دول المنطقة، وتؤكد على ضرورة خروج القوات الأجنبية منها، فإن التصريحات الأخيرة تؤدي إلى ردة فعل معاكسة، فماذا تفعل دول الخليج تجاه تهديد قاسٍ كمثل ما ذكر سوى المزيد من العلاقات الاستراتيجية والعسكرية مع الدول العظمى؟ وفي حالة إصرار الدول الكبرى على توجيه ضربة عسكرية لإيران، فما حيلة دول المنطقة تجاه ذلك لأن الدول الكبرى لها قواعد عائمة في بحار العالم المفتوحة، وليست بحاجة إلى الأراضي الخليجية لشن حرب جوية، وحسب ما ورد في "جيروزاليم بوست" يوم 11-6-2007، فإن الخطط الأميركية جاهزة لضرب إيران، وإن الدور الأساس في هذه الحرب سيكون لسلاح البحرية والجو، بهدف فرض حظر بحري على إيران. فإذا كان الحال كما ذكرنا، فهل المنطق يقول بحرق دول الخليج، وإن كنت لست من هواة نظرية المؤامرة، لكنني رأيت أنه كلما زاد الضغط الغربي على إيران، تفاقمت الأزمة في العراق الجريح بين السُّنة والشيعة، وعادة ما تبدأ العملية بتفجير لأحد المزارات الشيعية، كي تتم عملية الانتقام بتفجير مساجد أهل السُّنة، فهل تحولت العملية من الاحتراق الداخلي إلى حرق الجار؟ ومن مبدأ تصدير الفكر إلى حرق البشر؟ أسئلة من حق العقلاء الحصول على تفسير لها. ومن جانب آخر، هل رأيتم أعقل من تعامل الإمارات العربية المتحدة وحكومتها الرشيدة مع الجارة إيران، فبالرغم من احتلال الجارة إيران لجزر الإمارات، إلا أن الدولة قررت منذ نشأة الاتحاد أن هذه المسألة قابلة للعلاج عبر المفاوضات الثنائية أو التحكيم الدولي والتاريخ جزء من العلاج. ومع هذا فإن هذه العملية، لم تؤثر على العلاقات الثنائية بين الدولتين، فآلاف الإيرانيين يعيشون في الإمارات بكل سلام، ويرونها بلدهم الثاني، الذي يلقون فيه كل الاحترام، والتبادل الاقتصادي بين الدولتين على أرقى الأرقام والمؤشرات، والروابط الاجتماعية ما زالت مستمرة، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان. هذه العلاقات المتطورة بين الإمارات وإيران دفعت أحد المحللين في "العربية" للقول بأن "الرئيس نجاد أساء استخدام كرم الضيافة بالإمارات بإطلاق التهديدات، وذكر أن تصريحات إيران الأخيرة، تنمّ عن ضعف قدراتهم العسكرية". هذا المقال أسس على واقع عشناه في دول الخليج خلال الأسبوع الماضي، لكنني أجزم بأنه في إيران عقلاء يمنعهم تفكيرهم الحر من اختلاق أزمات مع الجيران، هم في غنى عنها. لقد جرب الشعب الإيراني حرباً مع العراق، استمرت أكثر من 8 سنوات، أرجعت إيران إلى عصور لا تحمد عليها، آن لها تسخير مدخراتها وإنتاج نفطها وثرواتها في التنمية الداخلية، كي يعيش الشعب جمال الواقع والتنمية بمفهومها الشامل، بدلاً من مشاريع الثورات وتصديرها. وفي حالة لا قدر الله، قرر الكبار الحرب على إيران، فلتعلم أن وجود أصدقاء لها على طرف الخليج المجاور خير من الأعداء.