أجرت إسرائيل والولايات المتحدة في الأسبوع الماضي تمرينات عسكرية مشتركة في صحراء النقب تضمنت عمليات قصف جوي مركّز على بعض الأهداف الأرضية. وقد ذكرت معظم الصحف أن مثل هذه التمارين ما هي إلا تدريبات محتملة لضربة جوية موجهة ضد المفاعلات والمحطات النووية الإيرانية. وقد صرح علي شمخاني، وزير الدفاع الإيراني السابق ومستشار مرشد الثورة في مجمع تشخيص مصلحة النظام، أن إيران سترد بقوة بضرب المصالح الأميركية في منطقة الخليج ومناطق أخرى من العالم، إذا ما تعرضت أراضيها لاعتداءات عسكرية أميركية أو إسرائيلية. وقد تزامنت التدريبات الجوية الإسرائيلية- الأميركية مع حديث مسهب في الصحافة عن أنباء عن اتفاق بين الوزير الإسرائيلي، ورئيس الأركان السابق "موفاز" وبعض أركان الإدارة الأميركية، في زيارته الأخيرة لواشنطن تقوم على ضرورة التصدي العسكري للبرنامج النووي الإيراني. كما تصادفت هذه التدريبات الجوية مع دخول عدد كبير من قطع البحرية الأميركية لمياه الخليج، مما يعني زيادة تعداد القوات العسكرية البحرية والجوية في هذا البحر المغلق، سواءً كانت أميركية أم إيرانية، مما يزيد من احتمال حدوث احتكاك أو مواجهات بينها ولو عن طريق الخطأ. والأزمة النووية بين إيران والولايات المتحدة زادت بشكل كبير من حجم التنافر القديم بين البلدين، الذي انطلق منذ أن احتجز الشبان الإيرانيون رهائن أميركيين عام 1979، واستمر هذا التنافر بين الجانبين حتى وقتنا الحاضر. وعلى رغم أن غالبية الشعب الأميركي ترى ضرورة حل الخلافات بين الجانبين بالطرق الدبلوماسية، إلا أن تجييش وحشد الشارع السياسي والحملات الإعلامية المكثفة قد نجحت في حمل غالبية الرأي العام في أوروبا والولايات المتحدة وكندا والبرازيل وغيرها من الدول، على النظر إلى السياسات الإيرانية الحالية بنظرة سلبية. ولاشك أن مثل هذه المؤشرات، لأي باحث في العلاقات الدولية، ترينا بسهولة أن الولايات المتحدة وإسرائيل قد نجحتا في تشويه سمعة إيران، حتى في دول محايدة مثل الهند والصين وروسيا. لذلك لم يكن من المستغرب أن تغير هذه الدول سياساتها تجاه إيران خلال العام المنصرم سواءً في مجلس محافظي وكالة الطاقة النووية في فيينا، أو في مجلس الأمن. وهي الدول التي تربطها تقليدياً بطهران علاقات تجارية وعسكرية واسعة، وكانت القيادة الإيرانية تتوقع أن تقف موقفاً محايداً من أزمتها النووية. وقد نجحت الولايات المتحدة في منتصف عام 2006 في تدويل أزمتها مع إيران، ونقلت هذه الأزمة من وكالة الطاقة الدولية إلى مجلس الأمن. وتتالت ثلاثة قرارات أساسية من المجلس بحق إيران، كان آخرها القرار 1747 في 24 مارس الماضي، الذي منع بيع الأسلحة لإيران، أو تقديم تقنيات متقدمة لها في المجال النووي، كما حظر سفر بعض المسؤولين الإيرانيين، ووضع برنامجها النووي تحت المادة (41) من "الفصل السابع"، وهو ما يعني أن هذا البرنامج يعتبر مهدداً للأمن والسلم الدوليين. بمعنى آخر فلقد بدأت ملامح نموذج الحصار الاقتصادي والعسكري الذي كان مفروضاً على بغداد خلال التسعينات تعيد نفسها ليطبق هذا النموذج مجدداً بحق طهران. وهكذا بات على إدارة أحمدي نجاد أن تدفع ثمن اندفاعها في البرنامج النووي. وغدت الإدارة الأميركية تستخدم الذخيرة الدبلوماسية عبر قرارات الأمم المتحدة كمقدمة لعمل عسكري ضد المفاعلات والمحطات الإيرانية. ولم يعد المحللون يتساءلون عن إمكانية القيام بهذه العمليات العسكرية، ولكن عن توقيتها. ولاشك أننا في دول الخليج العربية لا نتوق إلى رؤية حرب إقليمية جديدة تندلع على شواطئ هذه البحيرة التي غرق سكانها من قبل في ثلاث حروب طاحنة، وبات الكثيرون يتحدثون عن احتمال نشوب حرب إقليمية رابعة. لذلك فحين ينظر المرء إلى عرض حكومة أولمرت (الضعيفة أصلاً) على سوريا بحل دبلوماسي شريطة انفكاك ربقة تحالفها مع إيران، فإنه يجب أن ينظر إلى هذا العرض كنوع من التهديد بشن حرب، وليس كغصن زيتون. فالشرط الرئيس المتضمن إبعاد دمشق عن طهران، لا يعني ضرورة حدوث الشرط الثاني، السلام. بل ربما كان القصد أصلاً التلميح بفك التحالف الثنائي بين العاصمتين كتمهيد لعمل عسكري ضد طهران، في وقت يمكن أن تحيّد فيه دمشق. ولا يعني هذا أن العرض الإسرائيلي حقيقي، ولكن يمكن أن يكون مناورة سياسية يقصد بها تغطية الأهداف الحقيقية للنوايا الإسرائيلية. فأي عمل عسكري إسرائيلي- أميركي ضد طهران، سيحمل في جنباته ضربات محتملة على سوريا بحكم كونها حليفاً قوياً لطهران. كما أن تقليص دور سوريا وحلفائها في لبنان، سواءً عبر المحكمة الدولية، أو عبر التهديد بمرابطة جنود للقوات متعددة الجنسيات في لبنان على الحدود السورية، يمكن أن يمثل تهديداً مبطناً كذلك ضد سوريا. مما يعني اندفاع دمشق أكثر فأكثر في أحضان طهران. وبلغة أخرى، فلم تتزامن مع العرض الإسرائيلي إجراءات بناء ثقة للقيادة السورية في المسرح اللبناني. ويمكن أن يكون هذا جزءاً من تباين للمواقف من القيادة السورية بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية. لذلك فحين صرح محمد البرادعي لـ"نيويورك تايمز" يوم الثلاثاء الماضي، ودق ناقوس الخطر من أن التطرف في المواقف في واشنطن وطهران قد يقود البلدين إلى مواجهة عسكرية، فإن البرادعي كان ينظر للنموذج العراقي الذي سبق الغزو، وكان يخشى من إعادة تطبيق هذا النموذج على الحالة الإيرانية. ومثل هذه الخشية يحملها كل العرب، ويدعون الله أن يصل الدبلوماسيون بين الطرفين إلى حلول وسطى. ولكن كل ما مضى الوقت وضاقت النافذة الزمنية للإدارة الأميركية الحالية التي ستغادر الرئاسة في ديسمبر عام 2008، فإن حجم المخاوف يزداد أكثر فأكثر. إيران تخطط لتشغيل ثمانية آلاف آلة طرد مركزية لتخصيب اليورانيوم بنهاية هذا العام. والولايات المتحدة وإسرائيل تشعران بأن أي تقدم في هذا البرنامج يمثل تهديداً مباشراً لأمنهما ومصالحهما في المنطقة. ويبدو أن واشنطن، كما اتضح من اجتماع بغداد بين الجانبين قبل أسبوعين، تحاول أن تبين للرأي العام الأميركي أنها حاولت إيجاد مخارج دبلوماسية للأزمة، سواءً بشكل ثنائي مباشر أو عبر آليات الأمم المتحدة، وأنها لم تنجح في هذا المسعى، وبالتالي فلم يعد أمامها سوى المنحى العسكري. ومثل هذا المنطق يمكن أن يتقبله الرأي العام الأميركي، خاصة في ضوء تصريحات بعض المرشحين للرئاسة الأميركية، مثل "جولياني" الذي يقول إنه يدعم أية عمليات عسكرية ضد طهران. وهكذا فعلى رغم تراجع حظوظ "المحافظين الجدد" في واشنطن وبروز دور "كونداليزا رايس" كمفاوض رئيسي مع الأصدقاء والمنافسين، فإن ما بقي منهم خاصة "تشيني" وبعض رفاقه، وحلفائه في إسرائيل، قادرون على إقناع الرئيس بوش بالقيام بحملة عسكرية جديدة، تنهي مشاكل أميركا وإسرائيل إلى الأبد، كما يدَّعون.